رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نحو المستقبل

 لقد ربط د. هويدى – فيما سبق – بين الحياة الآخرة والحياة الأولى من خلال استحضار معايير وقيم الآخرة فى حياتنا الدنيوية، وأكد على أنه يمكن أن نفعل نفس الشيء فى مفهوم البعث، فالبعث بعثان حيث يمكن للانسان المؤمن مع انتظاره للبعث الأخروى الذى لاشك فيه أن يستحضر من داخله وبوعيه العقلى بعثا يجدد به حياته وهو لا يزال يعيش على الأرض ؛ وهو يوضح رؤيته بالقول « مادام المسلمون يؤمنون بالبعث فى الآخرة، فما بالهم لايتسابقون فى الخيرات وفى استثمار تلك العلاقات الانسانية غير المقننة وبخاصة بعد تلك القرون الطويلة التى كان من المفروض أن يكون الإسلام قد صقلهم فيها ! وما بالهم لايتسابقون إلى الاسهام فى تطبيق هذا البعث فيمن حولهم هنا ومن قبل أن يأتى أجل هؤلاء وأولئك !» أى قبل الموت !!

إن هذا التعبير الإسلامى « العمل الصالح « – عند هويدى – يشمل هذين النوعين من التنمية اللذين يمارسهما الانسان فى حياته الدنيا – الآخرة، وهو يعتبر أن أهم ماقدمته الحضارة الإسلامية للعالم هو هذا العمل الصالح بهذا المعنى العلمى التكنولوجى الأخلاقى وذلك على أنقاض التأمل العقلى الذى كان يميز الحضارة اليونانية، ولقد كان بناة الحضارة الإسلامية على يقين منذ البداية بأن الفكرة الصائبة لاتنبع من الذهن فقط ولا من التطبيق العملى وحده بقدر ما تنبع من العمل الصالح الخير المخلص. إن خيرية العمل هى الدافع الحقيقى لاتقانه ومن ثم جودته، ولو أن المسلمين طبقوا هذا الفهم الإسلامى الدقيق لمعنى « العمل الصالح « لتغيرت أوضاعهم من الخمول والجمود إلى الابداع والاتقان، من الاتكالية والتردد إلى التوكل والاقدام، من الاعتماد على الآخر إلى الاعتماد على الذات وبعث الهمم.

يقول د. هويدى فى عبارة بليغة ذات دلالات كثيرة « لن يبعث الله وطنا لايؤمن أفراده بالبعث ولايطبقونه بينهم مع أنه أكبر باب فى تطبيق الشريعة «. إن المدخل الأهم لتطبيق الشريعة الإسلامية اذن هو الإيمان بالبعث بالمعنيين ؛ فمن يفكر ويعمل عقله وقلبه ملئ بالايمان والتعلق بالله وبثواب الآخرة سيكون عمله خيرًا وصالحًا ومتقنًا بالضرورة، وبالعمل المبدع الصالح الذى يحمل الخير للجميع تبنى الحضارات وتتقدم الأمم. ومن هنا يقول د. هويدى أيضا « إن الإسلام قبل أن يكون دين العقل هو دين الإرادة أو دين الصمدية الذى يربى فى النفس الصمود مع الترفع، إنه دين الإرادة المصمتة التى لاتعرف الثغرات وتسد الفرج «.

وإذا ما تساءلنا مرة أخرى : كيف للمسلم أن يستحضر هذه الإرادة القوية فى البعث الحضارى المنشود لأجابنا د. هويدى بأمرين اثنين تخللا بيانه من القرآن ؛ الأمر الأول أن نتمثل الفهم الحقيقى للدين الإسلامى، فهو فى نظره « أبعد من أن يكون علاقة ثنائية بين الفرد وربه، فالعقيدة الدينية ملتحمة بالعقيدة الوطنية لأن الانتماء إلى الوطن لاينفصل أبدا عن الانتماء إلى الله « وما أعظم أن يرتبط حب الله والعقيدة بحب الوطن حتى يكون العمل خالصا لوجهه تعالى ونافعا للوطن. والأمر الثانى هو أن نستحضر فى حياتنا الدنيا وفى عملنا المثل الأعلى وقدوتنا للحياة وللسلوك وهو شخص النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) « فالرسول ليس هو فقط المبلغ عن ربه، بل هو يمثل أيضا الموضوع المباشر والعينى للايمان.. الموضوع الذى لايتضح الايمان إلا به ومن خلال التعرف عليه «، إن هويدى يعتبر أن الرسول « هو ظل الله على الأرض وملتقى الآمال والعلاقات الاجتماعية الانسانية التى يحب الله أن يراها سائدة بين الناس تدعيما لملكه ونفاذا لحاكميته وتطبيقا لشريعته « ولنتذكر تدعيما لذلك قول السيدة عائشة رضى الله عنها عنه (صلى الله عليه وسلم) « كان خلقه القرآن « أو « كان قرآنا يمشى على الأرض «.

إن هذه الرؤى التفسيرية الشاملة والملهمة للدكتور هويدى من « البيان « القرآنى تصلح أساسا لما ننشده الآن وندعو إليه من تجديد للخطاب والفكر الدينى فهل هناك من يقرأ ويتأمل ؟ رحم الله د. هويدى وعظم الله أجر د.عبد الحميد مدكور الذى أخرج هذا العمل إلى النور..