رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نداءُ القلم

 

 

 

فى خاطرة عابرة بَدَتْ لى أن الصياغة والأسلوب فى الكتابة هما فن وذوق وإحساس، يدلان على حياة حَيّة فعليّة مُعَاشة فى الواقع العملى، وليستا بالكلمات الفارغة من كل معنى؛ لأنهما يُعبّران عن معاناة شديدة وباطن نظيف، سواء كانت الصياغة فى الفكرة أو كان أسلوب الكتابة فى التعبير عن الأفكار.

الإحساس انفعال بكل تأكيد، ممدودٌ من العاطفة ومسنودٌ عليها وليس للعقل دورٌ فيه سوى التنظيم؛ ولذلك كانت الكتابة الصوفيّة ليست شيئًا سوى هذا الانفعال، وما الحياة فى أصلها إلا الانفعال.

هنالك نصيحة نفسية أو قل ظاهرة من ظواهر النفس البشرية أنا أعتقد فيها غالبًا، ساقها شاعر القرن السابع عشر (توماس تراهيرن) قد تتفق أو تختلف معها، لكنها حقيقة واقعية ملموسة فى بعض الناس. قال: إن العواطف هى جوهر الحياة، ومن الخطر علينا إنكارها أو إخفاؤها أو كبتها، فإن كبتَ الشعور يدمّر الحب ويتعارض مع طبيعته، ولكننا نلتقى اليوم فى كل مكان بأشخاص يرتدون كبت الشعور، وكأنه شارة الشرف.

إنهم الأشخاص الانطوائيون المنفصلون. والحديث مع هؤلاء يشبه رفع سماعة التليفون عندما تكون جميع الأسلاك مقطوعة. إن كلمة «بارد» هى الكلمة التى تنطبق على هذه الأنواع. من الإحساس السامى بالحياة هذا، يجيء التفكير والتعبير؛ وهو مقوِّم لا غنى عنه للكتابة التى تمسّ الحياة الشعورية والروحيّة وتتخذ شكلًا من أشكال التعبير عنها، فلم يظهر الأدب بكل أشكاله ولا الفن بشتى ألوانه إلّا من تلك المنطقة، ولا الشعر ولا النثر ولا الرواية ولا المقالة الفنية، لكنه يتفاوت قوة وضعفًا بمقدار ما للكاتب أو الأديب من تمكن هذا الإحساس من بواطنه الخفيّة.

راحت خواطرى تتابع ردودًا على تساؤلات أثيرت فى ذهنى، تُرى: أيهما أفضل، القراءة الجادة الواعية، أم الحركة المصاحبة للصورة فى العملية التعليمية؟

أخذت نفسى وقفتها تستجمع قواها لأقول: ولذلك؛ كانت الرواية على المسرح، والقصة حينما تمثل وتخرج للسينما أو التليفزيون، أثبت وأفعل فى ذهن المتلقى من القراءة. ولكن ليس معنى هذا أن القراءة المجردة بما فيها من لغة التخاطب ليست على المستوى الأعلى بل بالعكس، والعكس هو الصحيح.

الفرق يكمن فى الخيال، ففى الحالة الأولى، الخيال جاهز والصورة حاضرة، وفى الحالة الثانية، حالة القراءة، لابد من أن تقوم بنفسك فى خلق عملية الخيال. وصناعة الخيال وتربية الخيال، تتأتّى من الكدح الدائم فى المقروء والمكتوب. وما لم يكن لديك خيالٌ ليس بعاطل، ما استطعت الصبر على القراءة مطلقًا. تعال مثلًا نقرأ رواية لنجيب محفوظ أو توفيق الحكيم، ثم نشاهدها على شاشة السينما.. ما الذى يحدث؟

ستجد الرواية لا تنقل بتفاصيلها حين كتبها قلم الأديب، بل سيحتاج الأمر لنقلها إلى سيناريو وحوار آخر غير ما خطّه الأديب بقلمه.. وماذا يفعل السينارست؟

يفعل أمرين فى منتهى الخطورة:

الأول: يقضى على الروابط العقلية والمنطقية فى الرواية، ويفرّغها تمامًا من النقلات الذهنية، ويحوّل السّرد الفنى الذى يخلقه خيال الأديب تحت سنان قلمه إلى حركة ظاهرة. ومعنى ذلك، أنه يستفرغ الوعى الباطن من مضمونه ويقتصر على الحكى فيما يمسُّ الشعور فقط.

والثاني: أنه يستغرق فى الحواس الظاهرة، أمّا الحواس الباطنة التى تشكلها القراءة وينمّيها الصبر عليها فلا شأن له بها. ومع فقدان هذين الشرطين، يكون الفن، ولأنه وصفى يأتى بعد الحدث، تابعًا للفكر، والفكر أسبق منه، وأعمُّ منه وأشمل. ومن أجل وجود هذين الشرطين فى القراءة، وفقدانهما فى السيناريو كانت القراءة صعبة للغاية لا يطيقها أكثر الناس، وكانت المُشاهدة سهلة جدًا تجذب أكثر الناس.

الفرق بين الحالة الأولى والحالة الثانية، هو فرقٌ بين رجل يفكر، ورجل ينتظر أن يُقدّم له التفكير، وهو هو الفرق نفسه بين الصناعة من جهة، وبين تجربة حقيقية وحياتية دوّنها كاتب أو أديب أو ناقد أو فيلسوف.

فرقٌ كبير جدًا بين من يطبخ، ومن يتناول الطعام جاهزًا من غير تعب ولا معاناة.