رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نداء القلم

الدين والتجديد فى فلسفة الخشت: كتابٌ صدر فى طبعته الأولى عن دار الوفا هذا العام لمؤلفه شاكر محمد شاكر، وبتصدير الدكتور سعيد على عبيد أستاذ الفلسفة بآداب جنوب الوادى. محاور الكتاب تحاول إبراز جوانب من فلسفة الدين كما تناولها قلم المفكر المجدّد الدكتور محمد عثمان الخشت، أستاذ فلسفة الدين، ورئيس جامعة القاهرة. وتتضمّن فصوله الأربعة بعد المقدمة ماهية الدين كما يراها الدكتور محمد الخشت، ثم مفهوم التأويل، والعقلانية، ممثلة فى تفكيك الخطاب الدينى البشرى التقليدى، وتفكيك العقل المغلق.

أمّا الفصل الرابع من الكتاب؛ فبعنوان التجديد الفقهى والدينى فى فكر الخشت، وفيه رؤية المفكر المجدّد للمشكلات الفقهية والدينية، وموقفه من التراث الإسلامى، وكيفية التعامل معه. وينتهى الكتاب -اذ كان فى الأصل رسالة أكاديمية جامعية بقسم الفلسفة آداب جنوب الوادي- بنتائج مهمة مُستخلصة فى نهاية المطاف.

وللخشت جهوده السابقة واللاحقة فى مجال الكتابة المكثفة فى هذا المجال، وتشهد بذلك كتاباته الفلسفية المبكرة وتحقيقاته العلمية ممّا لا ينكره سوى مكابر أو جاهل، فضلًا عن نزعته الدينية الأصيلة تظهر بجلاء فى شواهده بالنصوص المنزلة، قرآنا وسنة، وفى مقارباته المنهجيّة كأن يُقارب منهجيًا مثلًا بين إبراهيم عليه السلام وديكارت فى لفتة دالة ذات مغزى منهجى، لكنه مع ذلك لا يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة كما يدّعيها آخرون، لأن منهجه النقدى العقلانى لا يسمح له بتجاوز المعقول إلى ما دونه، ولأن يقظة النقد العقلى فى فلسفته تطوى تحتها كل خمول كسيح عاجز عن الإنجاز، عار عن التطوير والتجديد، نازع على الدوام نحو التقليد المنبوذ.

ولم تشأ تلك اليقظة النقدية إلا أن تصاحبها نقلة معرفية تمثلت من الإحياء إلى التطوير ولولا توافر العقلانية النقدية ما وجدت تلك النقلة المعرفية، وعلتها -كما يقول الخشت نفسه- أن العلوم الدينية التى نشأت حول النصّ الدينى بعدت عن مقاصده، وحولته من نص ديناميكى يواكب الحياة المتجدّدة إلى نص استاتيكى يواكب زمنًا مضى وانتهى. لم تسعِ هذه الحركة العلمية الإصلاحية إلى تطوير علوم الدين، بل سعت إلى إحياء علوم الدين كما تشكلت فى الماضى وفرضت على الأجيال قوانينها الزائفة، لأنها حركة لم تقم بالعودة إلى القرآن فى نقائه الأول، وإنما رجعت إلى المنظومة التفسيرية التى أنتجتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لعصور تقدّمت، لم يكن فيها عصرنا ولم تحدثها تطوراته العلمية المتقدّمة.

وعليه، يلزم لتجديد الفهم الدينى فى فلسفة الخُشت، أن تكون له معايير تحكمه أولها الإيمان بقدرات العقل، ويلزم عن العقل ضرورة إعمال النقد: نقد الفهم المغلوط ونقد أدواته، ونقد موروثاته الثقافية. ولن يكون هنالك فهم جديد للدين ولا للمعطيات الدينية بغير نقد الموروث الثقافى العالق بالأذهان عبر أجيال طويلة مرّت يجتر الخلف منها عن السلف مواريث الغفلة والاستنامة والتقليد الأعمى؛ الأمر الذى ضاعف من نشاط العقل النقلى على حساب ضعف العقل النقدى فأظهر التطرف، وجمد الخطاب الدينى، وأوقف ممارسة الاجتهاد فى علوم الدين.

والفهم بالقصد مواهب يُضاف إليها جهود مضاعفة تبذل، وتستند إلى رؤى معقولة ومواقف وأدلة مقبولة، ولا يتأتى الفهم فى الدين جزافًا لا يقوم على تحقيق. ويضاف إلى هذا قبول التأويل كدعامة منهجية فى طريق العقلانية النقديّة، ورفض العقلانية المنحازة، وعليه يصبح منطقيًا أن تكون العناية بالتأويل تابعة للعقلانية النقديّة، وأن يتكئ التأويل عليها، لا كما جاء فى ترتيب فصول الكتاب من حديث عن التأويل يسبق الحديث عن العقلانية، لا المفروض العكس: العقلانية أولا ثم التأويل؛ لأن أعلى نشاط العقل هو توظيف التأويل.

يأخذ الخشت بالعقلانية النقديّة ويرفض عمل العقل المغلق المحدود بحدود مقولاته، ويفتش فلسفيًا فى أغوار الحقيقة الدينية؛ ليطور من محاولات الفهم تبعًا لتطوير العقل ذاته ووفقًا لتغيير طريقة التفكير.

وليس هناك فى هذه الفلسفة دعوة إلى دين جديد ولا مساس بثوابت الدين من حيث هو دين، ولكن فيها بغير شك «فهم جديد» للدين يواكب حركة العصر ويتطلع إلى المستقبل، ولا يلتفت إلى الماضى المقدس بمقدار ما ينزع عن شخصياته التقديس المغلوط.