عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

فى الأيام الأخيرة تم تداول خبر انتحار الفتاة بسنت خالد بنت السبعة عشر عامًا التى لم تتحمل تلك الصور المفبركة التى فبركها لها أحد الشباب المستهترين ليرغمها على مرافقته خوفًا من الفضيحة، ولما نشرها بالفعل تعرضت لحالة نفسية سيئة هى وأسرتها التى لم تساند الابنة فى محنتها بقدر ما تشككت فيها، فكان أن أقدمت الفتاة المسكينة على الانتحار بعد أن تركت لأسرتها رسالة أقسمت فيها على أن هذه ليست صورها وأنها لم تفعل شيئا تخجل منه الأسرة وأنها «متربية أحسن تربية».

والحقيقة أننى أصدق هذه الفتاة التى أدعو لها بالرحمة والمغفرة وأن يعفو الله عنها لإنهائها حياتها بيديها. إن هذه الحادثة وأمثالها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة طالما لم يتربَّ الأبناء عبر مراحل التعليم المختلفة من روضة الأطفال حتى الجامعة على إعمال العقل والتدبر على مهارات التفكير النقدى. إن مجتمعنا ككل ينقصه ذلك اللون من التفكير العقلى الذى يمكن الإنسان من التوقف عن ممارسة ردود الفعل العاطفية المتسرعة الغاضبة التى تجعله يرتكب الكثير من الحماقات بحق نفسه وبحق مجتمعه. إن التدرب على التفكير العقلى بمهاراته المختلفه من الشك والتحليل والنقد والحوار.. إلخ، يجعلنا قادرين على التمييز بين الحق والباطل، قادرين على تحليل كل شىء تحليلا نقديا فلا نقع أسرى للفعل العفوى المتسرع، يجعلنا قادرين على أن نتحاور بعقلية منفتحة مع أبنائنا ومع الآخرين بغير تعصب أو ضيق أفق.

إننا ننادى منذ سنوات بضرورة تعليم الفلسفة للأطفال، حيث أن التفكير الفلسفى ومهاراته يُمكن الأطفال والشباب من تلقى أى شيء تلقى نقدى ومن ثم لم يكن لمثل هذه الحادثة أن تحدث أصلا؛ فذلك الفتى الأهوج الذى هدد الفتاة لتستجيب لإشباع غرائزه الحيوانية لم يكن ليفعل ذلك لو فكر بعقله وليس بغريزته وأهوائه، أما الفتاة فلم تكن لتخضع لتهديد هذا الشاب المستهتر ولم تكن لثقتها فى نفسها أن تهتز وكانت ستفكر بشكل عقلانى فتخبر أهلها وتبلغ نيابة الإنترنت للقبض على هذا الشاب، أما الأهل فكانوا سيتلقون الأمر بدون قلق أو خوف لأنهم كانوا سيثقون فى أخلاق ابنتهم وأنها لا يمكن أن يصدر عنها ما يشين، ومن ثم كانوا سيصدقونها ويساعدونها فى الإبلاغ عن الواقعة!.

إن التربية النقدية لعقول الأبناء تقيهم من اهتزاز الشخصية ومن الخضوع لأى ابتزاز. إن مجتمعنا بحاجة ماسة الى هذا النوع من التربية الفلسفية النقدية وبحاجة إلى التربية الاخلاقية المستندة الى العقل والعواطف الناضجة. إن الكثير من الحوادث التى نشاهدها فى الشارع والكثير من المشاجرات والخلافات العائلية والمجتمعية كان يمكن ألا تحدث إذا أعمل كل منا عقله قبل أن يتصرف ويسلك سلوكا انفعاليا مبالغا فيه، وقبل أن يتخذ قرارا يندم عليه إما بالايجاب أو بالسلب.

والحقيقة أننى كثيرا ما أجد أن تصرفاتنا وسلوكياتنا فى الشارع وفى العمل وفى المنزل لا تصدر عن إنسان وهبه الله العقل والحكمة وقدر عليه أن يسلك وفقا لإرادته العاقلة وليس وفقا لغرائزه وانفعالاته. والحقيقة أيضا أن كثيرا من المواقف تثبت أننا قادرون على أن نُعمل عقولنا ونستخدم مهارات التفكير النقدى بتلقائية نحسد عليها رغم أننا لم نتدرب على ذلك منذ الصغر.

إننى أود أن أقول فى هذه العجالة: لقد وهبنا الله العقل لنفكر به ونسلك وفقا لما نقرره ونقتنع به، وفرق كبير بين أن نتوقف عند معرفة أننا نمتلك هذه الإمكانية للتفكير العقلى ونستخدمها بدون تدريب أو تطوير وبين أن نستخدمها ونحن نعى ذلك ونتدرب عليه من خلال دراسة هذه المهارات العقلية وتطبيقاتها لنكتسبها وتصبح من مكونات تفكيرنا الأساسية. وهذا لن يكون إلا بأن نقتنع كدولة وكمجتمع وأفراد بأهمية وضرورة تدريس الفلسفة للأطفال والشباب لتدريبهم على فهم واكتساب مهارات التفكير الفلسفى والمنطقى والنقدى.