عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حين تصر الدولة الوطنية الحديثة على تفعيل كل ضمانات برامج (حياة كريمة)، فهذا يعنى أنها تسير- بقوة وعزم وحزم- فى طريق الطريق الصحيح لإنصاف المهمشين والبسطاء الذين يبحثون بشق الأنفس عما يقيم أودهم، ويعلم أبناءهم، وينقذهم من براثن الجهل والمرض وتداعيات الحاجة والعوز.

وحين يقف مجلس الشيوخ المصرى - بنفس القوة والجسارة والصدق - مع المعذَّبين فى الأرض من العاملين فى شركات خاصة، عَصَف بعضها بحقوقهم وأحلامهم فى زحام تداعيات وباء كورونا وخسائره من جانب، أو فى سياق أطماعهم الشخصية للمزيد من الثراء العارض على حساب الاستثمار فى دماء المصريين من جانب آخر... فحين يقف المجلس الموقر فى صفوف المظلومين والمستضعفين؛ فهذا يعنى أنه استشعر الأخطار المحدقة بمَنْ شردَّهم بعض أصحاب الشركات فى سياق (فصل تعسفى) فاضح وفادح بلا مبررات ولا قواعد ولا قوانين ولا لوائح، ولا حتى عقود صريحة واضحة، إلا بضمان حق الإذعان الذى يريده صاحب العمل، وكأنما نستعيد صورة السيد الإقطاعى والعاملين فى الأرض فى المجتمعات العبودية فى أزمنة غابرة.

وحين تنبَّه أعضاء مجلس الشيوخ إلى طبيعة ما أصاب بعض المصريين – مؤخرًا – من جراء خراب الذمم، أو تغييب الضمائر - وربما إلغائها- وكأن كلا منهم قد تحوَّل إلى التشبه بـ(قارون) حين بغى وطغى، وظن أنه يملك الدنيا وما عليها وحده حتى خسف الله به وبداره الأرض، وجعله عبرة لمن تسول له نفسه أن يتحول إلى طاغية يومًا ما.

حين تنبه الشيوخ إلى طبيعة القصور فى تطبيق قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته؛ فمعنى هذا أن الحكومة ووزارة القوى العاملة على قدر واضح من اليقظة والمسئولية والصحوة العملية لآلام الواقع حين أحالت مشروع قانون العمل لمعالجة السلبيات التى أسفر عنها لسنوات طوال، بما يتنافى مع متطلب الإنتاج الوطنى، أو تحقيق (الأمان الوظيفى) من خلال حظر صور (الفصل التعسفى)، ووضع ضمانات منضبطة مناسبة لإنهاء علاقة العمل.

لقد أحسن صُنعا - بحق- كل من شارك فى صناعة هذا المشهد الحضارى رفيع المستوى من جانب الحكومة ومجلس الشيوخ حين التقوا جميعا على كلمة الحق سواء بُغية إنصاف العاملين الضعفاء فى ظل غياب العلاقات المتوازنة بين طرَفْى العمليةالإنتاجية، ما نتج عنه تشريد آلاف الأسر وإصابة عائليهم بالانكسار النفسي، ومعاناة حالات الاكتئاب، حين فُصلوا ظلما وزورًا وبهتانا دون تحقيقات أو إنذارات، أو مجالس تأديبية أو أحكام قضائية، فواجهوا الغدر دون سابق توقع!!

كما أحسن مجلس الشيوخ صياغة اجتهادات السادة النواب حول مشروع القانون الذى يكون فيه الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من العمل للمحكمة العمالية المختصة، ويكون توقيع باقى الجزاءات التأديبية لصاحب العمل، أو من يفوضه لذلك، إضافة إلى إقرار علاوة سنوية للعامل لا تقل عن 3% من الأجر التأمينى، وتكون دورية بانقضاء سنة من تاريخ التعيين.. إن هذا كله يعنى تجليات الإحساس بنبض العاملين الذين ألهبت ظهورهم سياطُ أصحاب العمل (بالفصل التعسفى) وقد تجاهلوا واجباتهم فى رد جميل هذا الوطن الآمن الذى علَّمهم بالمجان، وهيأ لهم من فرص الاستثمار ما يضمن ملاذا آمنا للعاملين بها بوصفهم شركاء بجهودهم المخلصة، وحرصهم على إثراء العمل بالمؤسسة، أكثر من مجرد تضخم جيوب (القطط السمان) على حساب جثث المهمشين والبسطاء الذين لا يجدون من يذود عن حقوقهم فى ضمان (حياة كريمة) بعد أن أفنى بعضهم معظم عمره فى خدمة الشركة أو المؤسسة، ولم يكن يدور فى خلده أنه قد يُغدر به، أو يفصل تعسفيا بلا رادع من ضمير، أو وازع من خلق قويم، أو حكم عاجل ينتصف له بسرعة الإنجاز فى التقاضى، حتى لا يعيش مشردا أو معذبا فى الأرض بسبب فقد وظيفته تحت سيف الحاجة، وأمزجة صاحب العمل الذى نسف عدالة القوانين، وخلا إلى أطماعه غير المشروعة فى استعباد خلق الله، دون احترام للنصوص، أو بنود الأنظمة الضامنة لتحقيق العدالة لمن يستحقونها.

ومن المؤكد أن القضاء المصرى الشامخ والأصيل قد وجد سندا قويا من أصداء هذا الموقف التشريعى المتحضر، حين ينصف الفقراء من قبضة براثن الأثرياء الذين طالموا وظَّفوا عرق العاملين ومعاناتهم فى خدمة أصحاب العمل وأسرهم فقط، وتصوروا أن الدولة غائبة، أو أن طول التقاضى قد يضمن لهم تيئيس الأجراء من نيل حقوقهم المسلوبة نظرا لضيق ذات اليد، أو استمرار معاناتهم متاعب الحياة أمام قسوة وقهر الأثرياء ممن غابت ضمائر بعضهم عن ساحة الحقوق، أو باتت فى حاجة إلى صحوة قانونية، أو تشريعية تنطلق من منظور إنسانى يعيد للناس حقوقهم، بعيدًا عن الجموح أو الجنوح إلى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان عن طريق إعمال ما يسمى (بالفصل التعسفى) بما فيه من كل صور الظلم والتجاوز اللاإنسانى بكل المقاييس.. وصدق الله العظيم إذ يقول سبحانه – « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (سورة النساء – آية 58).

نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق