رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نداء القلم

 

ثلاث قيم كبرى سقطت بين شبابنا اليوم، وكلما مرّ بهم الزمن نحو المستقبل يزداد إصرارهم على سقوطها: الوطنيّة، والدين، واللغة.

بالطبع، لن أتكلم هنا لا عن الدين ولا عن الوطنيّة، فالكلام عنهما طويل جدًا، ولكن عن اللغة باعتبار مساسها مباشرة بالكتابة والتأليف.

كلما قرأت للأجيال الجديدة وجدت فقدان أهم خاصّة تستند إليها الكتابة التى تؤهل صاحبها لممارسة التأليف والعمل الإبداعى، وهى افتقارهم «لقوة الهضم» والصبر عليها وتربيتها سلفًا فى طواياهم الباطنة، فبمقدار «قوة الهضم» يجيء الابتكار مرهونًا بقدرة العقل الهاضمة للأفكار والآراء، وللمباحث ووجهات النظر المختلفة.

لا يتأتى الإبداع هكذا ضربة لازب أشبه ما يكون بطفرة عرضيّة لا جهد فيها ولا عناء.

القدرة على الإبداع فى الذهن المبدع الخلاّق موصولة بنسب عريق بقوة الهضم لأفكار السابقين؛ فلا إبداع من فراغ مطلقًا؛ بل إن المبدعين من فراغ لا مكان لهم إلا فى مستشفى الأمراض العقلية على حد قول «ول ديورانت» فى قصة الحضارة، لأنهم حين يبدعون، يبدعون من لا شيء، وبدون خميرة معرفية، فيجيء إبداعهم مرضًا عقليًا فيما لو جاز إطلاق وصف الإبداع على إنتاجهم، وما داموا يدركون من ذواتهم أنها تبدع، فهو إدراك موهوم، وهم مع ذلك يفتقرون إلى قوة تحصيلية لآراء الفكر وتوجّهات الرأى من أزمنة الماضى السحيق.

وهكذا؛ يكون شأن الإبداع كله لديهم: من فراغ ليس فيه تحصيل..!

وممّا يسترعى الانتباه حقًا؛ أن الكاتب الفرنسى «بول فاليري» فى كتابه «أشياء مسكوت عنها»، كان قد وقف على هذه الحقيقة التى يعز وجودها ويندر فى كتابات الشباب، عندما قال:»لا يوجد شيء أكثر ابتكارًا، ولا أشدّ شخصيّة من أن يتغذى الإنسان من الآخرين، ولكن ينبغى هضم هذا الغذاء والاستفادة منه. فالحق أن الأسد مكوّن من كباش مهضومة، ومتحوّلة إلى أسديّة».

والمعنى واضح، وهو أن النحت الكثير فى أعمال الآخرين، قبولًا ورفضًا أو عرضًا ونقدًا، أو مقارنة وتحليلًا، أو ممّا يُتاح أمام العقل إعمالًا للفكر، يُصقل الشخصية العلميّة بموروث الملكات، ويحفظ لها استقلالها الفكرى بعد الصقل والتكوين.