رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لا أخفى على القارئ العزيز أن أشياء قليلة باتت تسعدنى بعد هذا العمر الطويل فى العمل الأكاديمى والثقافى؛ فقد قارب العمر على النفاد ومازالت الدعوة التى أفنيتها فيه تراوح مكانها، وهى دعوة بسيطة فى ظاهرها لكنها خطيرة فى جوهرها وآثارها ونتائجها، إنها الدعوة إلى إعمال العقل وممارسة التفكير العقلى بآلياته المختلفة من تفكير علمى و نقدى وتحليلى وشكى وتعميمى ، تفكير يعتمد على الحوار وقبول الرأى والرأى الآخر ، تفكير يعلى من قيم التسامح وعدم التعصب، تفكير يركز على قراءة المستقبل والتفاعل مع تحدياته بدلا من الارتماء فى أحضان الماضى، ومحاولة إحياء ما لم يعد صالحا منه للعيش المشترك فى الحاضر، وتمكين العرب والمسلمين من المساهمة فى حضارة العصر.

لكن فجأة تظهر للمرء بارقة أمل وضوء خافت وسط العتمة المسيطرة، تلك العتمة التى تحجب رؤية العقل وهى دوما رؤية للحق والخير والجمال، لقد بدا لى مؤخرا هذا الضوء الذى ربما أزال عنا وعن أجيالنا القادمة تلك العتمة الغاشمة، حينما وجدت أن الارادة السياسية الواعية فى مملكتنا الحبيبة المملكة العربية السعودية فتحت الطريق أمام تدريس الفلسفة والتفكير المنطقى والنقدى لطلاب، المملكة فى المرحلتين الاعدادية والثانوية. وها أنا أتلقى دعوة من هذه المؤسسة التى ولدت تحت اشراف فيلسوف عربى تنويرى كبير هو الأستاذ الدكتور أحمد برقاوى، تحت مسمى مدهش وجميل هو «بيت الفلسفة»، والمدهش فى هذا المسمى اللافت هو أن الفلسفة أصبح لها بيت ثابت، ينشر عبقها العقلانى ويؤسس لنوع جديد من الوعى النقدى المثمر فى دولة الامارات العربية المتحدة، ومن أقصى حدودها من إمارة الفجيرة رائعة الجمال.

وقد عادت بى هذه الدعوة إلى ذكريات السنوات الست التى قضيتها فى مدينة العين وجامعة الامارات من 1988إلى 1994 م، حيث كانت الجامعة الوحيدة فى الدولة وكانت جامعة عروبية أصيلة، وبها قسم مستقل لدراسة الفلسفة، بالاضافة إلى المقررات الفلسفية التى تدرس على مستوى الجامعة ولكل الطلاب مثل تطور الفكر الغربى ومناهج البحث العلمى، وكانت الجامعة سريعة التطور والأريحية فكانت تأخذ بكل الآراء المفيدة وتنفذها على الفور، فقد طلبت حينذاك من خلال مجلس القسم تغيير اسم المقرر الأول ليصبح تطور الفكر الفلسفى لنضع الفلسفة الاسلامية ضمن التطور العام للفكر الفلسفى العالمى وتم ذلك.

ولما طالب المقيم الأجنبى وكان أستاذا انجليزيا تغيير مسمى القسم إلى «قسم الفكر الانسانى والحكمة» لأن الطلاب قالوا له ذلك  ونظرا لأن كلمة «الفلسفة» لاتلقى ترحيبا من المجتمع واعترضت عليه وسجلت اعتراضى ذاك فى مجلس القسم جاء الرد السريع من الجامعة بانهاء عمل هذا الاستاذ واستبداله!

ولنعد إلى بيت الفلسفة الذى أيقظ كل هذه الذكريات لنحييه ونرحب بوجوده على الساحة العربية فالأمل معقود عليه وعلى الجمعيات الفلسفية المنتشرة فى الدول العربية المختلفة فى أن يكون  عالمنا العربى كله بيتا للفلسفة تستوطنه وتصبح الأداة الأولى لنهضته الجديدة، وكما كان عصر حضارتنا العربية الاسلامية زاهيا بكل ألوان الفلسفة والمنطق ومناهج البحث العلمى التى أسهمت فى جعل الحضارة الاسلامية حضارة العالم كله آنذاك، ومنها اغترفت الحضارة الغربية بوادر نهضتها من خلال فلسفة ابن رشد ومقدمة ابن خلدون وابداعات العلماء العرب فى كل العلوم، ينبغى أن يساهم الجميع فى توطين الفلسفة فى كل ركن من أركان عالمنا العربى وتنشئة الأبناء على التفكير الفلسفى والعلمى، لأن من شأن ذلك اعادة بناء الانسان العربى كإنسان مثقف واعٍ لا يقبل من الأفكار إلا ما يقتنع به عقليا ولا يهدأ له عقل حتى يشارك بكل قوة فى ركب الحضارة العالمية بجدارة وابداع، وليس بالتقليد والاتباع. مرة أخرى تحية لكل يد ساهمت فى انشاء بيت الفلسفة بالفجيرة، حيث يتجدد الأمل فى مستقبل أكثر اشراقا لأمتنا العربية والاسلامية.

 

[email protected]