رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

قد يندهش القارئ العزيز من هذا العنوان، متسائلا: هل ثمة ما يسمى «الحب الأفلاطونى» الآن؟! لقد كنا نسمع عنه فيما مضى وكان أسلافنا يتحدثون عنه بمعنى الحب العذرى الذي يفنى فيه المُحب فى ذات المحبوب دون أن يطلب منه شيئا ودون أن يشتهى جسده، فهو الحب الخالى من المطالب والرغبات الحسية وكل ما يتمناه المحب من محبوبه فيه هو مجرد نظرة أو لفتة تشعره بأنه قد وصل إلى قلب محبوبه وإذا طمع قليلا فإنه يتمنى لو سمح له المحبوب بأن يلقاه ولو مرة واحدة ليبث له أشواقه ولوعته وهو بعد هذا لن يسمح لنفسه بمضايقة المحبوب أو التلصص عليه وعلى أحواله!!

ذلك هو الحب العذرى الذى اقترن فى تراثنا العربي بالحب الأفلاطونى، وهو فى حقيقة الأمر لا علاقة له بالحب الأفلاطونى؛ لأن أفلاطون رغم أنه عرف كل ألوان الحب  وتحدث عنها فى محاوراته الفلسفية المختلفة وخاصة محاورة «المأدبه»، من حب الغلمان والجنسية المثلية إلى الحب التقليدى بين الرجل والمرأة، إلا أنه فضل عليها جميعا «حب المعرفة»؛ فالانسان عند أفلاطون لم يخلق لمجرد انجاب الذرية أو لمجرد الاستمتاع بالحياة الجنسية سواء بين الجنسين أو بين أفراد الجنس الواحد، وقد كان الأخير سائدا بين اليونانيين فى زمان أفلاطون، وانما خلق ليبحث بعقله وليدرك بتأملاته حقيقة الوجود من حوله.

ولما كان الوجود الحقيقي عند أفلاطون ليس هو هذا الوجود المحسوس المادى بل هو الوجود المعقول المفارق الذى أطلق عليه فى فلسفته «عالم المثل»، حيث إن كل الموجودات فى هذا العالم الحسي الذى نعيشه هى مجرد ظلال لأصل واحد هو ذلك « المثال» المفارق الذى علينا أن ندركه ادراكا حدسيا مباشرا دون وسائط، إذ علينا مثلا أن ندرك أن كل أفراد البشرالموجودين الآن ومن ماتوا ومن سيأتون بعد إنما هم أشبه بظلال لأصل واحد هو مثال الانسان، فالانسان ككل أقصد حقيقة الانسان الماثلة فينا كأفراد إنما هى أشبه بالظل، لذلك الأصل الموجود فى ذلك العالم المفارق «العالم المعقول – عالم المثل» الذى لايمكن ادراكه إلا حدسا.

وبالطبع، فإن هذا الادراك الحدسي لا يستطيعه إلا الفلاسفة، فهم القادرون على الارتقاء بتأملاتهم من هذا العالم المحسوس المادى إلى ذلك العالم المفارق عالم الحقائق المجردة – عالم المثل. ومن هنا نفهم حقيقة الحب الأفلاطونى فهو حب ادراك الحقيقة على هذا النحو المثالى، أى أنه ببساطة هو حب الفلاسفة فيما بينهم،  حيث إنهم وحدهم هم من اكتفوا بهذا الحب – حب ادراك الحقيقة!!

ولعل السؤال الذى ينبغى أن يشغلنا هنا: أين ذهب ذلك الحب بمعنييه ( الحب العذرى وحب ادراك الحقيقة)؟!

إننا نعيش عصرا حسيا ماديا بامتياز؛ فالكل يلهث وراء اللذات الحسية وأصبح الشعار هو أكبر قدر من اللذة الجسدية يحقق أكبر قدر من السعادة!! ومن ثم أصبح الحب سلعة تباع وتشترى وجسد المرأة لم يعد له حرمة تحفظه عن أعين الرجال والعكس، فالكل يكشف عن مفاتنه الجسدية لمزيد من الغواية واغراء الآخر، وكأن كل مهمتنا فى الحياة هى هذه الحياة الشهوانية الحيوانية الغريزية!! لم يعد أحد معنيا كما كان أجدادنا فى الزمن القديم شرقا وغربا بحب المعرفة وادراك الحقيقة!! لقد غلبتنا شهواتنا ولذاتنا المادية لدرجة تلاشي الفروق بين الرجال والنساء فى الملبس والمظهر وأصبح الجميع يتنافسون على العرى والتباهى بالتبجح والخلاعة، أصبح كلا الجنسين يتنمر بالآخر طلبا للشهوة والمزيد منها!!

السؤال: هل يمكن لانسان العصر الحاضر أن يعود للارتقاء من الحياة البدائية الحيوانية والعيش كحيوان الغابة لا تحركه إلا غرائزه ورغباته إلى حياة انسانية يسودها التعقل والاعتدال والحكمة؟! أتمنى ذلك.

[email protected]