رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

إذا كان العلم يُمثل سلطة فى المجتمعات المتقدمة، فإن الخرافة تُمثل سلطة طاغية فى المجتمعات المتخلفة، وغنى عن القول بأن هناك صراعا تاريخيا بين الخرافة والعلم، ففى فترات معينة تسود لدى الحضارات والشعوب معتقدات أو أفكار معينة يظن الناس أنها لا تقبل مجرد المناقشة أو التفكير. فعلى سبيل المثال ظلت الجهات العلمية تؤمن لفترة طويلة من الزمن بأن الأرض مركز الكون جريًا وراء ما قرره «بطليموس»، ولكن تبين فيما بعد أن هذا الاعتقاد مجرد خرافة، وهذا ما أثبته «كوبر نيكوس» الذى برهن على أن الشمس مركز الكون، أو بمعنى أدق مركز مجموعتنا الشمسية وليس الأرض. أيضًا كان «أرسطو» يؤمن بأن الجسم الأكبر وزنًا يسقط أولًا قبل الجسم الأقل وزنًا، فجاء «جاليليو» ليؤكد بطلان هذا الاعتقاد عندما أسقط جسمين مختلفى الوزن من برج «بيزا» فسقطا فى وقت واحد. إن الفروض العلمية التى يقوم العالم بافتراضها قبل التحقق من صحتها من خلال التجربة إنما تُعد خرافة علمية، ولكن عندما يقوم العالم بالتجريب وإثبات صحتها فى ضوء الفعل والممارسة، فإنها تستحيل عندئذ إلى حقائق علمية. ولكن إذا ما بقيت الفروض المقدمة غير قابلة للتحقق والتيقن من واقعيتها، فإنها تظل فى نطاق الخرافات.

ويُعرف فؤاد زكريا «التفكير الخرافى بأنه:... التفكير الذى يقوم على إنكار العلم ورفض مناهجه، أو يلجأ – فى عصر العلم – إلى أساليب سابقة على هذا العصر».

ويتساءل «زكى نجيب محمود»: «ما الخرافة؟» ويجيب: «هى قبل كل شيء، وبعد كل شيء، ربط المسببات بغير أسبابها، فإذا مرض المريض مثلًا – نسبنا المرض إلى أرواح شريرة حلت ببدنه، ولم نقل أنها جراثيم هى التى حلت بالبدن؛ فى الحالة الأولى نحاول أن نطرد من البدن ما ليس له وجود، فنكون أتعس حالًا من دون كيخوته وهو يحارب طواحين الهواء، وأما فى الحالة الثانية فنحاول أن نقضى على جراثيم المرض بما يفتك بها ويمحوها.

ويفرق فؤاد زكريا بين تأثير الخرافة فى المجتمعات الصناعية المتقدمة وبين تأثيرها وخطورتها فى المجتمعات المتخلفة، ويُذكر فى هذا الصدد أن هناك كثيرين فى بلادنا العربية يحاولون التخفيف والتهوين من ظاهرة انتشار التفكير الخرافى فى بلادنا عن طريق الإشارة إلى وجود ظاهر مماثلة فى البلاد المتقدمة. ولكن يجب أن ننتبه إلى أن أسباب ونتائج تواجد الخرافة فى المجتمعات المتقدمة تختلف تمامًا عنها فى المجتمعات المتخلفة. ففى المجتمعات الصناعية المتقدمة كثيرًا ما تظهر الخرافات كرد فعل على المناخ العلمى المتغلغل فى صميم كيان المجتمع وفى شتى مجالات الحياة. وفى هذه المجتمعات نجد بقايا من التعلق بالخرافة تتمثل فى الولع ببعض الأفكار مثل تفسير الأحلام وتحضير الأرواح وقراءة الطالع من الأبراج... الخ هذه المظاهر التى ترتبط بالتفكير الخرافى، غير أن انتشار هذه الظواهر فى المجتمعات المتقدمة لا يُشكل خطرًا دائمًا على المسار العام لهذا المجتمع، إذ إنها تظل على الدوام ظاهرة هامشية.

أما انتشار التفكير الخرافى فى مجتمعاتنا فيتخذ عادة شكل العداء الأصيل للعلم والعقل، ويُمثل هذا العداء امتدادًا واستمرارًا لتاريخ طويل من الجمود ومقاومة التغيير والتمسك بالأوضاع القديمة والخوف من كل ما هو جديد أو محدث.

ويمكن لنا أن نضيف إلى ما تقدم أن انتشار التفكير الخرافى فى بلادنا يرتبط بعدة عوامل مركبة ومتداخلة مثل: الفقر الاقتصادى والفقر الثقافى، وتفشى الأمية بين جموع البسطاء فى المجتمعات الريفية والعشوائية (وخاصة بين النساء)، وهيمنة رؤية ثقافية – دينية تتعامل بارتياب مع كل ما هو مغاير أو مختلف وتقدس كل ما هو قديم أو ينتمى إلى الماضى، وترفض بعنف ما يعارض مسلماتها وجهلها المقدس.