رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

للكتب حظوظ  وأقدار مثلها مثل البشر، فكم من كتاب تقتنيه، فتقرؤه فوراً رغم أن موضوعه ليس ملحاً، وكم من آخر تضعه على الرفوف ينتظر دوراً ربما لايجىء رغم أهمية موضوعه ومكانة كاتبه!. وقد ميز أفلاطون فى إحدى محاوراته تمييزاً لافتاً ورائعا بين أن تقتنى شيئاً  وأن تمتلكه ؛ فهناك – كما تعلمون – أناس مغرمون بالتسوق والشراء فيشترون عشرات وربما مئات من قطع الملابس الجديدة وتجد دواليب ملابسهم مكتظة بكل الأنواع وبأحدث الموديلات لكنهم لايستخدمون ولايلبسون بالفعل إلا أقل القليل منها !! إنهم اقتنوا هذه الملابس لكنهم لم يمتلكوها لأن امتلاكها – حسب تعبير أفلاطون – يبدأ من استخدامهم إياها، وكذلك  الحال مع من يقتنون العشرات والمئات وربما الآلاف من الكتب الجديدة التى تتزين بها رفوف مكتباتهم لكنهم لايهتمون بعد ذلك بقراءتها أو ربما يحتجون بأنهم لا يجدون وقتاً لذلك!!

وكم حدث ذلك ويحدث ذلك حتى مع عشاق القراءة مثلى؛ فقد اقتنيت كتاب "الخيال السياسي" للدكتور عمار على حسن مدركاً تماماً أهميته وجدة وطرافة موضوعه فضلاً عن مكانة كاتبه منذ أكتوبر 2017م  لكننى للأسف لم أستطع قراءته – أى امتلاكه والاستفادة منه – إلا منذ أيام قلائل!! وكم ندمت على ذلك لأننى وجدت أنه كان لزاماً علىّ قراءته وأنا أعد كتابى"مدخل إلى  فلسفة المستقبل" الذى صدر العام الماضى؛ فما الخيال السياسى الذى يتحدث عنه د. عمار إلا أداة ضرورية لاستشراف المستقبل والتخطيط له بطريقة يمكن أن نطلق عليها الاصطلاح السائد الآن "التفكير خارج الصندوق" لكن بطريقة علمية، فالسياسيون التقليديون عادة ما يكونون مشغولين بمواجهة المشكلات والتحديات الآنية وهم بهذا لاينظرون للمستقبل ولايفكرون فيه بل ربما لايعبأون بتحدياته وجسامة الأخطار التى ستواجه دولهم وشعوبهم فيه، بينما أولئك الذين يمتلكون الخيال السياسى دائما ما تكون لديهم نظرة مستقبلية ويهتمون بوضع سيناريوهات متعددة للمستقبل ويضعون الخطط لمواجهة تحدياتها المختلفة  دون أن يعنى ذلك بالطبع إغفال مواجهة المشكلات والمطالب الآنية لشعوبهم..

ولعل أحدنا يتساءل الآن: ما الهدف من هذا كله وماعلاقته بما تكتبه الآن عن كتاب "الخيال السياسى" ؟!! ولعلى أجيب قائلاً: إننى أريد أن ألفت انتباه النخب الساسية لدينا من صناع التشريعات إلى صناع القرار السياسى فى مصرنا الغالية إلى أهمية أن يقرأوا هذا الكتاب ويتفاعلوا مع ما فيه وألا يكتفوا فقط باقتنائه ووضعه على رفوف مكتباتهم!! لقد بذل د. عمار فى هذا الكتاب جهداً كبيراً فى تعريفهم بأهمية الخيال السياسى فى استشرف المستقبل ووضع الخطط الاستراتيجية لتقدم المجتمع. كما أنه كشف أمامهم ببراعه المعوقات التى قد تعوق هذا الخيال السياسى مثل البيروقراطية الحكومية والبلادة فى صنع القرار ونقص المعلومات والاستهانة بدورها أو الاستسلام التام لها  والجهل بالتاريخ والاستسلام لكل ماهو تقليدى وموروث والتفكير بالتمنى وفق رغبات الأفراد وليس وفق الأدلة العلمية  وكذلك من هذه المعوقات الالتزام بأيديولوجيا معينة.. وقد ركز بعد ذلك على بيان  مجالات توظيف الخيال السياسى وخاصة فى كيفية عبور الأزمات السياسية وفى وضع الخطط والاستراتيجيات  وفى الحروب وفى مكافحة الارهاب وكذلك فى مواجهة الفساد وفى كيفية تقدير الموقف وتحليل المعلومات اللازمة لذلك، وأيضاً فى تفادى سلبيات الديموغرافيا السياسية. وقد توقف كاتبنا موضحاً كل ذلك وغيره بأمثلة من واقعنا السياسى وأعجبنى وقفته عند مسألة "تمكين الشباب" التى أصبحت هدفاً تسعى إليه جمهوريتنا الجديدة وخاصة حينما أوضح كيف اختلط هذا المفهوم بمفاهيم أخرى أصابته بميوعة وأفقدته قيمته وأفرغته من مضمونه وربما حلت محله مثل: التدجين والتسكين والتوثين  والاستحواذ والاستعلاء.

وفى اعتقادى أننا أمام كتاب رائد باللغة العربية فى مجال علم الاجتماع السياسى، وكم كنت أتمنى لو استفاد  د. عمار بصورة أكثر اتساعاً  ووضوحاً من أطروحات فلاسفة المستقبل ورؤاهم المستقبلية حول إشكاليات الفكر السياسى فى المسقبل القريب والبعيد وحول شكل الحكومات فى عالم ما بعد العولمة فمثل هذه الرؤى الفلسفية هى ما يمكن أن يستفز الخيال السياسى لدى علماء السياسة وصناعها على حد سواء.

[email protected]