رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

يهل شهر سبتمبر من كل عام ومعه الكثير ممما ينبغى الاحتفاء به وتذكره وعلى رأس ذلك ذكرى أستاذى د. زكى نجيب محمود حيث درجت منذ أعوام عديدة على أن أعيد قراءة أحد مؤلفاته فى هذا الشهر بالذات. وقبل أن ينقضى سبتمبر انتهيت من قراءة كتابيه « قصة نفس « و» الشرق الفنان « وربما قصدت من ذلك أن أدرك الرابطة بين الكتابين فلعل الشرق الفنان هو الذى حول الاتجاه العقلى والعلمى لديه ناحية الأدب والكتابة الأدبية التى يقف على قمتها كتاباه « قصة نفس « و» قصة عقل « لدرجة أن فيلسوفنا الكبير قد حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الأدب وليس فى العلوم الانسانية والاجتماعية ولم يشاركه فى هذا إلا أستاذنا د. عبد الغفار مكاوى رحمه الله.

 واتصالا بذلك الأديب الفيلسوف فى «قصة نفس» نجد زكى نجيب محمود يتحدث فى «الشرق الفنان» عن الشرق بوجه عام مميزا بين طبيعة انسان الشرق وانسان الغرب، ففى رأيه أنهما يختلفان فى طريقة ادراكهما للوجود وفى تصوراتهما الأخلاقية ؛ « اذ يستحيل مثلا على شرقى أن يجعل مثله الأعلى فى الأخلاق متعة الجسد لأن متعة الجسد بطبيعتها صائرة إلى زوال سريع، والعبرة هنا «بالمثل الأعلى»، لابطرائق العيش الفعلية.

لكن الطريف فى هذا الكتاب الذى كان من أوائل ماكتب فيلسوفنا - إذ يعود تاريخه إلى عام 1960م - أنه يميز بين الشرق الأقصى المتمثل فى فلسفات الهند والصين وغيرهما وبين الشرق الأوسط حيث يعتبر أن فلسفات الشرق الأقصى هى التى تقابل فلسفات الغرب وتتناقض معها ؛ فالأولى يغلب عليها الطابع الصوفى واللغة الروحانية المغلفة بالفنون والأساطير والغموض بينما الأخرى يغلب عليها الطابع العقلى العلمى التجريبى.

واذا كان هذا عن الشرق الأقصى فما بال الشرق الأوسط ونحن فى قلبه ؟! يرى زكى نجيب محمود « أن الطرفين قد اجتمعا فى هذا الشرق الأوسط العبقرى العجيب ففى شخصه اجتمع تأمل المتصوف وتحليل العالم وصناعة العامل حتى لقد قال وايتهد - وهو من كبار فلاسفة الغرب المعاصرين- أن حضارة الغرب كلها ترتد إلى أصول ثلاثة اليونان وفلسطين ومصر؛ فمن اليونان فلسفة ومن فلسطين دين ومن مصر علم وصناعة، ولقد اجتمع كثير من هذه العناصر دفعة واحدة فى شوارع الاسكندرية القديمة - كما يقول انج - اذ التقى رجال العلم بأصحاب النظرة الصوفية وأصحاب المهارة العملية فى آن معا «.

وأعتقد أن هذه الرؤية التحليلية للفرق بين الشرق الفنان والغرب العلمى العقلى ثم الجمع بينهما فى الشرق الأوسط الذى وصفه «بالعبقرى العجيب « هى ذات الرؤية التى انتهى إليها زكى نجيب محمود بعد رحلته الطويلة مع الفكر الغربى منذ كتابيه « شروق من الغرب « و» خرافة الميتافيزيقا» ومع التراث العربى الإسلامى منذ كتابيه الشهيرين « تجديد الفكر العربى « و» المعقول واللامعقول فى تراثنا الفكرى». لقد كان الجمع بين عقلانية وعلمية النظرة وبين صوفية الروح وحدس الوجدان هو جُل ماأراده زكى نجيب محمود لبعث نهضة الأمة من جديد، وكان أخطر ماحذرنا منه هو أن نتكلم عن الوجود بلغة الذوق والوجدان ثم نزعم أننا نرضى منطق العقل أو أن نتكلم بلغة الحس والاستنباط مما يدركه الحس ثم نزعم أننا قد شملنا بالقول كل مجال للحديث فذلك هو الخلط الذى يسبب التباعد بين الناس كما يقف حائلا دون أن تنهض الأمة ! إنه لاتعارض عند زكى نجيب محمود بين إعمال العقل والعلم فى شئون حياتنا الفكرية والعلمية والعملية وبين الركون إلى حدس الوجدان والتحليق فى صوفية الروح فى مجال الدين والماوراء، فالانسان بين هذا وذاك لكن لا ينبغى الخلط بحيث يعوق ثانيهما تقدم أولهما!!

[email protected]