رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

تمثل الجموع أو الجماهير فى الأدبيات السياسية التقليدية قوة فاعلة فى أى عملية تغيير ثورى، ولذلك عادة ما تتجه أنظار الزعماء والقادة السياسيين لهذه الجموع الحاشدة لأنهم يعلمون جيدًا القوة الجبارة التى تنطوى عليها قدرات وإمكانات تلك الجموع، فبوسعها أن تزلزل الأرض تحت أقدام الحاكم، وبوسعها أيضًا أن تصنع منه حاكمًا إلهيًا إن أرادت، ولذلك تسعى كل الأنظمة السياسية إلى الهيمنة على هذه الشعوب وترويضها لخدمة أنظمتها وأيديولوجياتها السياسية، وسواء تحدثنا عن الأنظمة الملكية أو الجمهورية أو الليبرالية أو الفاشية أو الدينية، فالأمر سواء، والاختلاف بين هذه الأنظمة يكمن فى درجة وعى ونضج وثقافة الجماهير وقدرتها على اختيار مصيرها بوعى وحرية. أو فقدانها لأى درجة من الوعى بحيث تتحول إلى مجرد كتلة صماء وأداة عمياء كما هو الحال فى الأنظمة الفاشية والدينية، وفى هذه الأنظمة الأخيرة يصبح نموذج: «الراعى والرعية» هو المسيطر على العلاقة بين الحاكم وشعبه، فالحاكم هنا هو راع والشعب يصبح قطيعًا من الأغنام التى تأكل من حظيرة الراعى أو السلطان!

ومن أهم الآليات التى توظفها الأنظمة الاستبدادية والقمعية لضمان إحكام السيطرة على شعوبها وضمان ولائها فكرة «العدو الوهمي»، ولذلك غالبًا ما يسعى الزعماء والقادة إلى تضخيم هذا العدو، وإبرازه كقوة مرعبة ومخيفة تهدد أمن الدولة وتتربص بشعبها، واستنادًا إلى هذا الوهم عادة ما يقومون بسن القوانين الصارمة، وفرض الأحكام العرفية، ومصادرة حريات الشعب ومراقبة تحركات الأفراد، واعتقالهم واستجوابهم واتهامهم بالعمالة والخيانة العظمى لمجرد اتصالهم بهذا العدو أو التعامل معه.

وتقوم الأنظمة الفاشية والدينية بتوظيف المشاعر القومية والعرقية والدينية وكافة الاتجاهات التعصبية من أجل تعميق وتأصيل فكرة العدو الوهمى، ومن ثم يتم تعبئة الجماهير الغاضبة، الساخطة، المقهورة، المحرومة من ممارسة دور البطولة تجاه هذا العدو المختلق ليصبح مع الوقت بمثابة كبش فداء!

هتلر مثلًا كان يعتبر أن اليهود والمثقفين والشيوعيين هم أعداء الوطن، وهم سبب نكبة وانهيار وتمزق ألمانيا، ونجح بالفعل فى تحويل مشاعر الإحساس بالانكسار والانسحاق لدى الجماهير إلى مشاعر زهو وانتصار. وهذا ما تفعله الجماعات الإسلامية الإرهابية الآن على اختلاف طوائفها بدءًا من الإخوان حتى داعش وطالبان وبوكوحرام.

العدو الوهمى جزء رئيسى من استراتيجية هذه الجماعات. فمنذ السبعينيات من القرن الماضى يتم أدلجة الجماهير فى معظم البلدان العربية بخطاب دينى هوسى تحريضى تجاه اليهود والشيعة والنصارى، وضد الأجانب والمثقفين والشيوعيين والعلمانيين والليبراليين، بل وضد النساء خاصة النساء السافرات المطالبات بالحق فى التعليم والعمل والخروج للفضاء العام. وقد قرأت منذ قليل خبرًا يفيد بأن جماعة طالبان الإرهابية قد أصدرت قرارًا بتغيير «وزارة شئون النساء» إلى وزارة «الدعوى والإرشاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»!

إن العدو الوهمى تضخم لدى أصحاب الأصوليات الدينية الإسلامية وأصبح يشمل كل من هم خارج جماعاتهم، أو مختلف عن مذهبهم أو ملتهم، فكل هؤلاء الأغيار هم الهالكون الكافرون بالنسبة لهذه الجماعات، وبالتالى وجب على المؤمن إرهابهم وقتالهم وقتلهم.

إن المشكلة– من وجهة نظرى– لا تقف عند حدود خطر هذه الجماعات، لكن الخطر يتعلق بملايين الجموع التى تأثرت وارتبطت وجدانيًا ونفسيًا بأفكار هذه الجماعات وباتت تتبنى خطابها الإرهابى وتدافع عنه. ليس الخطر فى داعش أو طالبان ولكن فى الوعى الجمعى المصرى– العربى الذى غدا داعشيًا وتكفيريًا وإرهابيًا بامتياز.

وللحديث بقية...