رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

سوف يمضى وقت طويل، قبل أن تتلاشى من الذاكرة الإنسانية، مشاهد المواطنين الأفغان، الذين يتقافزون على أجنحة حاملات الطائرات العسكرية الأمريكية فى مطار كابول، هربا من مستقبل غامض، بات يكتنف بلدهم، بعد عودة حركة طالبان للسيطرة على أفغانستان. لم يأبه هؤلاء الموطنون من مخاطر دهس بعضهم ساعة الإقلاع، وسقوط آخرين قتلى من أجنحة الطائرة.. لا تخشى الأمهات من فقدان أطفالهن وهن يلقين بهم، خارج الحاجز الأسمنتى الفاصل بين مجهول ومجهول: من كابول إلى مكان التسجيل لنيل التأشيرة للهجرة من وطنهم! 

يريدون لنا أن نصدق، أن استيلاء حركة طالبان على معظم المقاطعات الأفغانية، كان مفاجأة، وأنه لم يكن بين الاتفاقات السرية، التى جرت بين الحركة وبين والإدارة الأمريكية فى مفاوضات الدوحة، المستمرة منذ سبع سنوات، برغم أنها كانت تضعها فى مصاف المنظمات الإرهابية. ومن المعلوم أن قطر كانت قد افتتحت فى عاصمتها مكتبا لحركة طالبان خلال تلك السنوات، واستضافت على أراضيها قادتها، ومن غير المتصور أن تكون تلك الخطوات قد تمت بعيدا عن الموافقة الأمريكية، وربما بطلب منها.

غزت الولايات المتحدة أفغانستان قبل عشرين عاما مع حلفائها الأوروبيين فى حلف الناتو، لتقضى على تنظيم القاعدة الذى نما وترعرع فى حضن طالبان، فى سياق تبادل الأدوار بين تنظمين إرهابيين، ولتنتقم من نسفه لبرجيها الشهيرين فى نيويورك فى العام 2001. ثم أمدت إقامتها، لتصتنع نظاما، يؤمن بقيم الديمقراطية الغربية، فجلبت حكومة عبر صندوق انتخاب مشكوك فى نزاهته، واختصرت أفغانستان فى العاصمة كابول، فيما يعشش تنظيم طالبان فى عدد لايستهان به من المقاطعات الأفغانية الأخرى، جنبا إلى جنب مع القاعدة وتنظيمات إرهابية أخرى.

تتذرع إدارة بايدن بالفساد، وتحمله مسئولية السقوط المدوى لكابول، برغم تريليونات الدولارات التى أنفقتها على تدريب 350 ألف جندى أفغانى، وجد بعضهم ميزان القوى بينه وبين طالبان مختلا، فخلع زيه العسكرى، وعاد لبيته. بينما سلم البعض الآخر أسلحته لطالبان وانضم إليها. لم يكن الفساد خارجيا فقط، إذ ماذا عن الفساد الداخلى بين من كانوا يديرون الأزمة الأفغانية فى إدارته بنخب موالية لواشنطن، لاتحظى بإجماع داخلى، وهم يعلمون علم اليقين أنهم يصتنعون مؤسسات أفغانية هشة، غير قابلة للبقاء؟ 

اصطنعت باكستان بمعاونة من المخابرات الأمريكية حركة طالبان الجهادية، لاستخدمها فى محاربة الاتحاد السوفيتى، وفى معارك الحرب الباردة، وبدعم من دول إسلامية وعربية، أمدتها بمن عروفوا باسم الأفغان العرب.

السؤال الآن ليس هو، هل تغيرت طالبان أم لم تتغير؟ فلن تتوانى الأيام القادمة عن إجابته، علما بأن قادتها قد أعلنوا أنهم فى الطريق لبناء أفغانستان إمارة إسلامية. السؤال الآن: ما هى الدروس التى علينا نحن العرب استخلاصها من فشل النموذج الأمريكى والغربى الذريع،لديمقراطية صندوق الانتخاب، الذى فرضته على بلداننا الإدارة الأمريكية، فأفسحت به الطريق لصعود تيار الإسلام السياسى وجماعة الإخوان إلى سدة الحكم، ثم أسمت ذلك «الربيع العربى «؟ 

أهم تلك الدروس، إدراك أن الإدارة الأمريكية لازالت تتمسك بهذا النموذج الفاشل. ومتابعة دقيقة لدورها فى استخدام الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية لتحقيق مصالحها، و بالدمار الذى يتم نشره فى كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وأفغانستان، تثبت بجلاء أنها ماضية فى نفس السياسة. ولا بديل هنا لصد تلك الغطرسة الأمريكية، ومواجهة مخاطر الفوضى التى تزرعها الآن وسط آسيا، وما هى ببعيدة عن حدودنا، إلا بتقوية مؤسسات الدولة الوطنية، ورفع كفاءتها، وفى القلب منها المؤسسة العسكرية والأمنية، والحفاظ على انسجامها وجاهزيتها. فضلا عن اتباع سياسات ترضى عنها الشعوب، وتدافع عنها وقت الخطر. 

حفظ الله أوطاننا من كل كل الشرور.