رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

التاريخ مليء بالأفكار المرعبة التى أفضت إلى نتائج مروعة، ومعاناة بلا حدود. من ينتجون هذه الأفكار قد لا يتصورون بالضرورة ما يُمكن أن يتمخض عنها من مآسٍ وعذابات لأعداد هائلة من البشر.

الفكرة المرعبة، عادة، تنمو فى عقلٍ مثالى يستهدف الكمال، والنموذج الأعلى، والخير البشري. المُعضلة تكمن دوماً فى صعوبة تصور المآلات التى تنتج عن مد فكرة مرعبة على استقامتها، واخراجها من حيز الفكر والخيال إلى عالم الواقع.

تأمل، مثلاً، فكرة أفلاطون (427-348 ق.م) الكبرى عن وجود عالمٍ مثالى كامل وخالد خلف عالمنا المادى الناقص والزائف. فى الظاهر، تعكس الفكرة توقاً إنسانياً نبيلاً نحو الكمال والمُثل العُليا. على أن هذه الفكرة ذاتها قد تُرتب نتائج مروعة. لقد تحدث أفلاطون عن أشخاصٍ بعينهم يستطيعون –حصرياً- النفاذ إلى هذا العالم.. عالم الحقيقة المطلقة. هؤلاء هم الفلاسفة. 

إذا طبقت هذه الفكرة على أرض الواقع فإن ما تحصل عليه هو مجتمع شمولي، حيث تُحدد قِلةٌ قليلة الطريق إلى الحقيقة والخير، فيما لا يكون أمام الأغلبية غير الاتباع والطاعة. واقع الحال أن «جمهورية أفلاطون» المثالية كما تصورها لم تكن سوى ذلك المجتمع الشمولي. فى القلب من النظام الشمولية والفاشية التى ازدهرت فى القرن العشرين تجد هذه «البذرة الأفلاطونية» لامتلاك قلة من البشر لحقيقة مُطلقة يتعين تنظيم المجتمع كله على أساسها.

فكرة أخرى مرعبة تلك التى خرج بها القديس أوغسطين (354-430م)، صاحب الدور الأكبر فى تشكيل اللاهوت المسيحي. أوغسطين قال بأن الطبيعة البشرية غارقة فى الإثم منذ ارتكاب آدم للخطيئة الأولى. رغبات الجسد هى عنوان هذا السقوط البشري. لا مجال من الهروب من هذه الخطيئة سوى بالتطلع إلى العالم الآخر الأسمى (لاحظ التطابق مع أفلاطون!). لا بوابة للولوج إلى هذه العالم سوى عبر الكنيسة.

بهذه الفكرة الشاملة وضع «أوغسطين» حجر الأساس لسلطان الكنيسة الذى سيطر على العالم المسيحى والعقل الأوروبى عبر العصور الوسطى. من هذه الفكرة وُلدت أيضاً محاكم التفتيش والحروب الصليبية والحروب الدينية ومطاردة الساحرات وغيرها من الممارسات المروعة التى تسببت فى آلام بلا حدود.

جان جاك روسو (1712-1778م) اجترح فكرة مرعبة أخرى. هو قال إن هناك شيئا فى كل مجتمع اسمه «الإرادة العامة». هذه الإرادة تكون أكبر من مجموع إرادات الأفراد. إنه مفهوم يعكس ما هو نافع للمجتمع فى مجموعه. وعليه، فالإرادة العامة تجب حريات الأفراد وحقوقهم. لا يحق لأى فرد أن ينحرف عن هذه الإرادة العامة التى تُمثل صالح المجتمع. فى «عالم روسو» لا مجال لحريات الأفراد. هذه الفكرة المرعبة التى جاء بها ألهمت الرعب الدموى الذى طبع الثورة الفرنسية. فى القرن العشرين، اعتمدت النظم الفاشية والنازية على أيديولوجيات وضعت الجماعة قبل الفرد وحقوقه.

هل كان أفلاطون وأوغسطين وروسو يعرفون ما يمكن أن تؤول إليه أفكارهم المُغرقة فى المثالية والرغبة فى إصلاح المجتمع؟

من المفارقات الكبرى فى تاريخ الفكر الإنسانى ما تقود إليه أفكار مثالية من نتائج مروعة!

[email protected]