عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لحظة فلسفة

صعبٌ ألا تقتنع بمنطق «أبيقور» الفيلسوف اليونانى الذى عاش بين عامى 341 و270 قبل الميلاد. الرجلُ رأى أن غرض الفلسفة هو سعادة الإنسان ورفاهيته، ولا شيء سوى هذا.

كيف تتحقق هذه السعادة؟ الوصفة بسيطة للغاية، وهى أن تعيش حياة بسيطة، وأن تستمع بالأشياء باعتدال، فى وسط صحبة من الأصدقاء والندماء. «الحديقة» كانت عنواناً لمدرسته الفلسفية، حيث كان يجتمع مع الأصدقاء، من الرجال والنساء، يتداولون فى شئون الفلسفة ويتناولون الطعام البسيط.

الرجل كان يعيش حياة بسيطة أقرب إلى التقشف. لا نعرف من أين له بمنزل بحديقة غناء! أغلب الظن أن هناك من الأصدقاء من كان يتولى أمر الانفاق عليه، وليس هذا بمستغرب فى تاريخ الفلسفة، إذ كيف لرجل الفكر أن يعيش من الفكرِ وحده إن لم يكن هناك «ممول»؟!

الغاية من الحياة هى جلب المتعة والسعادة، وتجنب الألم والمعاناة. معادلة تبدو بسيطة، ولكنها ككافة المذاهب الفلسفية الكبرى (ومذهب أبيقور بالتأكيد واحدٌ من منها) تقف على أرضية مركبة ومنظومة كاملة من الأفكار التى تشرح العالم وتُفسر الوجود.

أبيقور فيلسوف مادي. الفلسفة المادية منظور للعالم يقوم على أن كل شيء مكون من مادة، ولا شيء بخلاف ذلك. تصور «ابيقور» أن الوجود كله مكون من شيئين: الذرات والفراغ الذى تتحرك فيه هذه الذرات. الذرات تتلاقى لتكون الأشياء التى نراها حولنا، ثم تنفصم الذرات حتماً فى مرحلة ما، ليحدث الفناء. الفناء، إذن، حقيقة مكتوبة على الكائنات كلها، وعلى الدول والإمبراطوريات وكل شيء.

تصور «أبيقور» عن الذرة يقترب من -ولا يتطابق كلياً مع- المفهوم الذى كشف عنه العلم الحديث فى القرنين التاسع عشر والعشرين. على أن «أبيقور» لم يصل إليه بالتجربة والملاحظة، وإنما بالتأمل الفلسفي: لو أن لكل شيء نهاية، فليس هناك ما يدعو للخوف من الموت، لأنه عندما يأتى لن يكون المرء موجوداً ليشعر به من الأصل! (تذكر أن فلسفته مادية لا مكان للروح فيها). وإذا اختفى الخوف من الموت سيدرك الإنسان أنه يستطيع العيش بسعادة بالانفصال عن مسببات الألم، وتقليل منسوب الرغبات.

كان أبيقور يؤمن بوجود الآلهة ولكن لم يقبل بالسطوة الخرافية لآلهة اليونان على مصائر البشر. كان يرى أيضاً أن القيم التى نعتنقها والقوانين التى نعيش فى ظلها ليست سوى نتاج التقاليد التى تسود فى عصر معين، وهى عرضة للتغيير من زمن لآخر. وبالتالي؛ فإن ما يجب أن يشغل الإنسان حقاً هو سعادته الذاتية وجودة حياته.

فكرة «أبيقور» البسيطة ظهرت مجدداً على السطح فى زماننا فى هيئة أعداد لا حصر لها من الكتب والمحاضرات وبرامج التدريب التى تستهدف تبصيرنا بكيفية الاهتمام بسعادتنا بمعزلٍ عن القيود والمعايير التى يضعها المجتمع. قد يكون «أبيقور» هو الرائد الأول لمفهوم صار رائجاً فى أيامنا: المساعدة الذاتية والتنمية البشرية!

[email protected]