رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

قد تكون هى الفكرة الأهم والأخطر والأشد تأثيراً فى تاريخ الأفكار. هى قابعة ومستقرة فى وعى الكثير منّا، وإن تحت مُسميات مختلفة. السواد الأعظم من البشر يرى العالم من خلالها.. بصورةٍ أو بأخرى.

صاحب الفكرة هو فيلسوف اليونان الأشهر «أفلاطون» (427-347 ق.م). باليقين لم يكن وحده من عبرّ عنها. الكثير من الفلاسفة والزعماء الروحيين عبر العالم بلوروا الفكرة ذاتها تقريباً، بتنويعات مختلفة، وفى سياقات ثقافية متباينة، على أن أحداً لم يصغها بذات الطريقة البديعة والمدهشة التى صاغها بها أفلاطون.

يدعونا أفلاطون إلى تصور حالة سجناء فى كهف، لم يعرفوا من الحياة غيره. هم مقيدون بالسلاسل. أنظارهم مثبتة على حائط تنعكس عليه ظلال الأشياء. هم لا يستطيعون النظر خلفهم ليروا النار التى تعكس هذه الظلال. وعليه؛ فهم يرون ظلال الخيول والأشجار والأزهار وهى تمر أمامهم على الحائط كما فيلم سينمائي. بالنسبة إلى هؤلاء السجناء المساكين هذه الظلال هى العالم ذاته. هى الأشياء نفسها. لماذا؟ لأنهم لم يعرفوا فى عالمهم سوى هذا الحائط وتلك الظلال المنعكسة عليه. بالنسبة إليهم الظل هو الواقع، والخيال هو الحقيقة. الحقيقة الوحيدة التى يعرفون!

ليس صعباً أن نُدرك قوة هذه التجربة الذهنية وتأثيرها المذهل على تاريخ الأفكار. الموقف الخيالى الذى تصوره افلاطون يلمسنا جميعاً. يدفعنا فوراً إلى إجراء المقارنة مع وضعنا. ألا يُمكن أن نكون نحن أيضاً نُعانى ذات السجن، ونفس السلاسل؟ ألا يُمكن أن يكون ما نظنه حقيقة ليس سوى درب من الوهم الذى تسبب فيه وضعنا؟

نعم.. نحن ندرك أن ما نراه حولنا حقيقي. البحار والأشجار والبشر.. كلها تبدو حقيقية تماماً. ولكن مهلاً.. هذا بالضبط ما يؤمن به أيضاً هؤلاء السجناء. السبب أنهم، ربما مثلنا ، لا يتصورون واقعاً آخر بخلاف ذلك الذى اعتادوا عليه!

تلك بالضبط هى الحالة التى يريد أن يضعنا فيها أفلاطون لكى نتقبل فكرته الخطيرة التالية: إن العالم الذى نعاينه حولنا ليس هو العالم الحقيقي. هو لا يختلف كثيراً عن عالم الظلال المنعكسة على حائط الكهف، أما العالم الحقيقي، العالم المثالى للأشياء والأفكار، فهو فى مكان آخر. فى هذا العالم الآخر فقط نُصادف الأشياء على صورتها الحقيقية.. صورتها المثالية الخالدة.

ربما تكون هذه الفكرة الخطيرة والمدهشة هى الأهم والأشد تأثيراً فى تاريخ الفلسفة الغربية، لذلك فقد قال أحد دارسى الفلسفة الكبار يوماً إنه يُمكن النظر إلى تاريخ الفلسفة كلها باعتبارها «هامشاً على متن أفلاطون»!

ليس صعباً أن نُدرك السبب وراء تأثير هذه الفكرة وأثرها الطاغى على العقول عبر العصور. إذا تصورت أن عالمك المعيش ليس هو العالم الحقيقي، وأن وراء هذا العالم - الزائف والزائل - عالما آخر مثاليا وحقيقيا، فإن موقفك من العالم وما يحدث فيه يتغير بصورة جوهرية، بل إن تصورك عن الأخلاق والمجتمع والسياسة يتبدل كلياً كذلك.

من كهف أفلاطون هذا.. خرجت – عبر التاريخ - أفكارٌ كثيرة، وتصورات مختلفة، تعزف على ذات اللحن. ما يجمع هذه الأفكار جميعاً هو نزوعها إلى «المثالية». تطلعها إلى عالم «كامل». من ذات الكهف خرجت أيضاً أفكار مرعبة وبشعة.. ولكن تلك قصة أخرى!

 

[email protected]