رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

إنه سؤال محير: هل الرياضيات موجودة من الأصل فى الطبيعة وفى نسيج الكون، وما فعله البشر هو اكتشافها، تماما كما يكتشفون جزيرة نائية موجودة فى المحيط؟ أم أن الرياضيات هى شيء اخترعه البشر وصنعوه بعقولهم، مثلها فى ذلك مثل اللغة وقواعد النحو؟

ما أهمية السؤال من الأصل؟ الحقيقة أنه مهمٌ جداً. لو كانت الرياضيات شيئاً اكتشفناه، فأين يوجد بالضبط؟ من الواضح أنك لا تستطيع مثلاً أن تلتقى بالرقم اثنين فى أى مكان. لا يمكنك الإمساك بين يديك بالرقم ثلاثة. الأعداد والأرقام هى مفاهيم ليس لها وجود مادي. هى ليست مثل الأشجار أو الأحجار. ولكن.. مرة ثانية: أين توجد؟ هل هى محض خيال اخترعته عقولنا، ولا وجود لها سوى فى داخل هذه العقول؟ أم أنها موجودة فى نطاق آخر من الواقع.. خارج الزمان والمكان؟

هذه المعضلة حيرت الفلاسفة منذ زمن بعيد. فيثاغورث وأتباعه، فى القرن الخامس قبل الميلاد، تصوروا أن العدد هو أصل العالم، وبالذات الرقم واحد الذى تتكون منه كافة الأعداد الأخرى. هم اعتبروا الأرقام أشياء حية، وأضفوا على الرياضيات مسحة من القداسة.

افلاطون رأى أن الرياضيات وقواعدها توجد فى نطاق آخر من الواقع (!). هى خارج الزمان والمكان الذى نعرفه ونعيش فيه. إنها فكرة خطيرة. لو أننا سلمنا بها، فإننا نقبل بوجود «واقع مواز» خارج الواقع الذى نعرفه. علينا ساعتها أن نسأل أنفسنا: ما الذى يُوجد أيضاً فى هذا الواقع الموازي؟ هل توجد فيه الرياضيات فقط، أم أشياء أخرى.. وأفكار أخرى؟

السؤال الكبير هنا هو: هل 2+2=4 هى حقيقة رياضية تظل صحيحة بغض النظر عن اكتشاف البشر لها من عدمه؟ هل تظل هذه الحقيقة صحيحة بالنسبة لكائنات أخرى تعيش خارج الأرض (بفرض وجود مثل هذه الكائنات)؟ هل مجموع زوايا المثلث هو حقيقة كونية ثابتة، بصرف النظر عن إدراكنا لها؟

قد تكون الحقائق الرياضية شيئاً موجوداً فى نسيج الكون نفسه. فى الطبيعة حولنا. هذا ما تكشف عنه، مثلاً، «متتالية فيبوناتشي». فيبوناتشى هذا هو عالم رياضيات إيطالى شهير عاش فى العصور الوسطى، وهو الذى نقل الأرقام العربية/الهندية إلى أوروبا. المتتالية الشهيرة التى اكتشفها تأتى على النحو التالي: 1-1-2-3-5-8-13-21-34. كل عدد هو مجموع العددين السابقين كما ترى. هذه المتتالية العجيبة تكشف عن نفسها فى ظواهر طبيعية كثيرة: التفاحة بها خمسة أجزاء. لو قطعت ثمرة الموز لقطع صغيرة لوجدت أنها تنقسم لثلاثة أجزاء. عدد أوراق أى زهرة سيكون غالباً أحد أعداد فيبوناتشى العجيبة،؛ 13 أو 21 مثلاً!

هذه الظواهر الطبيعية، ومثلها كثير، تكشف عن وجود الرياضيات فى نسيج الكون نفسه. هذا ما دعا إقليدس، الذى ندرس هندسته صغاراً إلى اليوم، إلى القول بأن الطبيعة ذاتها هى تعبير عن القوانين الرياضية. أما جاليليو فقال إن كتاب الطبيعة مكتوبٌ بلغة الرياضيات ولا يمكن فهمه سوى بإتقان هذه اللغة.

أخيراً: هل اكتشفنا الرياضيات أم اخترعناها؟ لك أن تفكر بنفسك، لأن العلماء والفلاسفة ما زالوا محتارين إلى اليوم فى هذا السؤال المُلغز!

 

[email protected]