رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

التنوير هو نظرة جديدة للعالم. هذه النظرة الجديدة بزغت فى مكان محدد هو أوروبا، وزمان معين هو القرنين السابع عشر والثامن عشر. من أين جاءت هذه النظرة الجديدة؟

لو أنك دلفتَ إلى عقلِ شخصٍ عاش فى عام 1500 ميلادية، لما وجدتَه يختلف كثيراً عن عقلِ شخصٍ عاش فى 1500 قبل الميلاد! ربما تكون معارف الأول أوسع فى قليلٍ أو كثير، غير أن جوهر النظرة للعالم لدى الاثنين متشابه للغاية. أساس هذه النظرة هو أن كليهما لديه تفسيراتٍ «خرافية» إلى حدٍ بعيد عن الكون، ومكان الأرض فيه، وقوانين العالم الطبيعى التى تحكم حركة الأشياء، سواء على الأرض أو فى الفضاء. أيضاً: كلاهما يرى أن النظام السائد فى المجتمع هو ترتيب إلهى، لا يُمكن تحديه أو تغييره. أغلب الظن أن كليهما يؤمن بصورة أو بأخرى بالنظرية التى شكّلت أساساً للحكم عبر السواد الأعظم من التاريخ: الحق الإلهى للملوك.

دماغ هذين الشخصين يمتلئ، إذن، بتفسيراتٍ كثيرة للكون والمجتمع والطبيعة البشرية.. ولكنها تفسيرات غير صحيحة. على أن ما يميز هذان الشخصان، اللذان يفصل بينهما ثلاثة آلاف عام، هو إيمانهما المطلق بهذه الأفكار والتفسيرات. هما لا يتصوران العالم بصورة أخرى. لماذا؟ لأن هذه التفسيرات دخلت دماغيهما عبر «سلطةٍ ما». سلطة يثقان فيها ثقةً مطلقة، ويؤمنان إيماناً كاملاً بمقولاتها المتوارثة جيلاً بعد جيل. سلطة دينية غالباً، أو سلطة سياسية متوارثة تستند بدورها إلى الدين.

التنوير، فى المقابل، هو تحدى هذه السلطة المطلقة المتحكمة فى العقل البشرى. لذلك نقول إنه نظرة جديدة كُلياً للعالم. جوهر التنوير هو استخدام العقل بصورة مُغايرة عن الطريقة التى استُخدم بها عبر التاريخ الإنسانى.. استخدام العقل كأداة للوصول إلى الحقيقة. التنوير، كحركة فكرية وسياسية سادت أوروبا وبالذات إنجلترا وفرنسا وهولندا وألمانيا، ينطلق من فكرةٍ بسيطة، ولكنها حاسمة: فكر بنفسك. امتلك الجرأة للتفكير من أجل الوصول إلى الحقيقة بنفسك. لا تقبل بالسلطة المفروضة على عقلك.

إذا أنت استخدمت العقل كأساس للوصول إلى الحقيقة، فأنت –فى واقع الأمر- تتحدى «سلطة ما»: سلطة فكرية أو دينية أو سياسية. فى القلب من مشروع التنوير هذا التحدى والمساءلة للسلطة باستخدام هذا السلاح الجديد الذى وظفه البشر بطريقة مغايرة: العقل!

من أين جاء التنوير؟ حدثان مهمان وقعا فى عامين متتالين رسما مسار التنوير: صدور كتاب «المبادئ» لإسحاق نيوتن فى 1687م، وإزاحة الملك جيمس الثانى عن الحكم فيما يعرف بالثورة الإنجليزية المجيدة فى 1688م التى وضعت –لأول مرة- أساس الحكم الدستورى.

كتاب «نيوتن» كشف عن قوانين خفية للعالم الطبيعى، يمكن فهمها بمُلاحظة هذا العالم والعثور على العلاقات والأنماط. الكون ليس فوضوياً، ولكن هناك قوانين تحكمه بإمكان البشر إدراكها باستخدام العقل. أما الثورة الإنجليزية فقد أظهرت أن الملوك ليس لهم حق إلهى فى الحكم، وأن سلطانهم لا يجب أن يكون مطلقاً. الحدثان معاً أطلقا هذه النظرة الجديدة للعالم ولدور الإنسان فيه، ولطريقة تنظيم المجتمع على أساس عقلانى يُحاكى التنظيم الإلهى للكون. كانت تلك هى بداية مجتمعات جديدة منظمة على أساس العقل فى كل شيء: الصحة العامة ونظام الضرائب والتجنيد والتعليم والقوانين والعقوبات الجنائية.. إلخ.

بكلمة واحدة: التنوير هو الفكرة الكبرى وراء طريقة حياتنا اليوم.

[email protected]