عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

كانت تعمل فى مكتبها فى الطابق الثامن والتسعين فى البرج الجنوبى بمركز التجارة العالمى بنيويورك عندما اصطدمت الطائرة الأولى بالبرج الشمالى فى حادثة التفجير الشهيرة (11 سبتمبر). وعلى الفور توجهت لمخرج الطوارئ ولم تتوقف حتى لتحضر حقيبة يدها، ومع ذلك فالمرأة التى كانت تتحدث معها لم تبرح مكانها وظل أشخاص آخرون يتحدثون عبر الهاتف وبعضهم ذهب بالفعل إلى اجتماع فى مشهدٍ مثيرٍ للدهشة، حتى إحدى زميلاتها بعد أن هبطت عدة درجات من سلم الطوارئ عادت لتحضر صور طفلها، وبالطبع هؤلاء الأشخاص لم ينجُ منهم أحد إيّاها.

وعندما أعادت السيدة الناجية سرد هذه القصة مرة أخرى على ستيفن جروس المحلل النفسى الشهير، قال جروس: بعد خمسة وعشرين عاما من العمل محللا نفسيا لا أستطيع أن أقول إن هذا فاجأنى، فالبشر لا يحبون التغيير حتى لو كان يعنى القيام بأمور صغيرة نسبيا يبدو من الجليّ أنها فى صالحهم، فنحن نخشى التغيير بشدة لدرجة أننا لا نتحرك حتى إن كان هناك خطر واضح، نحن نهتم أكثر بمعرفة إلى أين سيأخذنا حدث بعينه، فتلك السيدة الناجية والتى ذهبت لجروس لتتعافى نفسيا من جراء ما شاهدته باتت ملامحها مندهشة حينما تذكرت الماضى وقصت عليه كيف أن الجميع ظلوا فى أماكنهم عندما كانت هناك حالة طوارئ واضحة، ولكن صدمها جروس حينما أكد لها أن رد فعل هؤلاء فى الحقيقة هو النمط السائد بين غالبية البشر.

فيتساءل جروس: لماذا نبذل جهدا لنتجنب التغيير؟ من وجهة نظرنا أن التغيير خسارة، لكن إذا لم نقبل ببعض الخسارة حينها فمن الممكن أن نخسر كل شيء، نحن نرى فقط ما نخسره فى الوقت الراهن ونعجز عن فهم المكاسب الكثيرة والتى قد تكون فى انتظارنا مستقبلا.

وبعد قراءتى لتفسير جروس عن التغيير فى كتابه الشهير The Examined life بدأت وبهدوء شديد فى تقبل فكرة أن معظم البشر يخافون من التغيير، وأن مهمة إقناعهم بمنافع التغيير أشبه بالمهمة المستحيلة.

والغالبية لا يدركون هذه الحقيقة المؤسفة، وهى أنه كلما أضعت الفرص فى إحداث التغيير المطلوب لتطوير الأداء فى مؤسستك اقتربت أكثر من النهاية، لأن فى الوقت الذى تُضيع فيه الفرص للتغيير ستجد آخرين يتحينون الفرص للوصول إلى القمة.

وإذا أمعنّا النظر فى الجهاز الإدارى للدولة فستجد أن غالبية القيادات فيه يتبعون منهجا جامدا ثابتا يفتقر إلى المرونة، فيأبى أن يستمعوا إلى كل جديد فضلا عن تنفيذه، فلا يلتفتون إلى إحداث تغيير إيجابى مُجدٍ إلا لو جاءهم من مستويات فوقية عليا وبقرارات إدارية مُلزمة.

رأيتُ الكثير من العاملين المتميزين فى قطاعات عدة وقد انتابهم الإحباط الشديد من رفضٍ متكررٍ لأفكارهم المتطورة، والتى قد تُسهل عملا أو تنجز مهمة بخطوات أقل فتدّخر وقتا وتوفر تكلفة، وكانوا يتعجبون من أسباب الرفض الواهية ويضطرون للأسف لتنفيذ ما يؤمرون به من استراتيجيات باليه متأخرة عن الركب التكنولوجى، وذلك دون اقتناع امتثالا فقط للأوامر وتنفيذا للتعليمات خشية التعسف الإدارى ضدهم.

أحلم أن أجد نموذجا قياديا ملهما يتفنن بكل ضراوة فى استخراج القدرات الكامنة لدى فريق عمله وتوظيفها بأفضل الطرق لإحداث تغيير إيجابى مطلوب.

نموذجٌ قياديٌ لا يجد حرجا فى الإُنصات وبإمعان إلى الشكاوى والمقترحات المقدمة ممّن هم أقل منه فى العمر أو الدرجة الوظيفية، فلا يتأفف إن اعترض أحد على وجهة نظره أو يرى فى ذلك منقصة له، فالقيادى المُلهم هو من تملكته إرادة التغيير ذاتيا فعممها وألهم بها فريقه، فيستمع لهم ويناقش معهم أفكارهم ويفند أسبابها ونتائجها، ثم يقتنع بها وأخيرا يُسخر الإمكانيات لتنفيذها بكل شجاعة وإقدام، يشجع من معه على التفكير خارج الصندوق، فيُكافئ المبدع ويهلل للمتميز.

فلا تستكبر أن تستفيد من تجارب من هم أقل منك عمرا، فتأخذك العزة ويتملكك الاستعلاء، لا تنسَ أنك بشر تغيب عنك جوانب الحقيقة الكلية، مهما بلغت إمكانياتك وخبراتك وحتى لو بلغ بك العمر مبلغه، وحاول أن تتقبل التغيير، فالتغيير هو المستقبل.

ويبقى السؤال كيف نجت السيدة وهربت من المبنى قبل انفجاره وهى فى الطابق الثامن والتسعين!؟

[email protected]