رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

لدى الكثير منّا انطباعٌ بأن الفلسفة هى نشاط ينخرط فيه القلة من البشر. هؤلاء القلة تشغلهم قضايا الفلسفة وأحاجيها، ويستغرقهم عالمها المنبت الصلة عن الواقع. أما السواد الأعظم من الناس -وفقاً لهذا الانطباع السائد- فإنهم لا يحتاجون الفلسفة من الأصل. لماذا؟ لأنهم عمليون، لا تشغلهم قضايا الوجود والعدم، أو المغزى من وراء الحياة. هم ينشغلون بالحياة ذاتها، عن فهمها أو التساؤل بشأنها.

والحقُ أنه ليس هناك تصورٌ يبتعد عن الصواب ويجافى الواقع قدر هذا التصور.

واقع الأمر أننا جميعاً، وبلا استثناء تقريباً، نمارس نوعاً من الفلسفة. كلنا نعتنق فلسفة ما، سواء أدركنا هذا أم لم ندركه!

الموقف السابق الذى يعتبر أن الفلسفة ليست شيئاً ضرورياً، وأن المهم هو الحياة العملية.. هو فى ذاته «موقف فلسفي»! أن تقول إنك لن تعتنق أى فلسفة هو أيضاً موقف فلسفي!

أغلب الظن أنك تعتنق فلسفةً بعينها، أو مزيجاً من فلسفات متنوعة..

مثلاً: لو أنك تعتبر أن هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، وأن كل ما يقع فيه من أحداث يقع لسبب. وأن علينا تقبل البلاء كما نتقبل النعم.. بتسليم كامل، وبلا مبالاة بهذا أو ذاك، فأنت تتبع نهج «الراوقيين» وفلسفة «زينو» وأبيكتيتيوس.. دون أن تدري!

لو أنك ترى أن ما يحدد مسار الإنسان فى الحياة، والقيم التى يعتنقها والثقافة التى يتبناها هو وضعه الاقتصادى، ومكانه فى منظومة الإنتاج السائدة فى المجتمع.. فأنت تعتنق فكر ماركس.

لو أنك تُقدر أن الحكم على الأفعال والتصرفات يكون بنتائجها، وليس بأى شيء آخر، فأنت من أتباع «بنثام» وأصحاب المدرسة النفعية.

أما لو كنت تؤمن بأن ثمة قواعد أخلاقية مُطلقة يتحتم اتباعها مهما كانت النتائج، ويُحظر خرقها مهما كانت التبعات.. فأنت من أتباع «كانط».

لو أنك ترى الله فى كل شيء فى العالم.. فأنت تعتنق فلسفة «سبينوزا».

لو كنت تؤمن بأن العقل شيءٌ فريد، ويختلف تماماً عن أى شيء آخر فى الكون، وأن الكون مكونٌ من ثنائية العقل والمادة.. أو الروح والجسد.. فأنت من اتباع «ديكارت».

أما لو كنت ترى أن المادة هى كل شيء، وأن العقل ذاته ليس سوى حصيلة تفاعلات مادية تجرى داخل أدمغتنا.. فأنت من أنصار الفلسفة المادية.

جميعنا، والحال هذه، يعتنق فلسفة ما عن العالم، وكيفية حدوث الأشياء فيه، والطريقة المُثلى للعيش. نحن فلاسفة.. حتى رغم أنوفنا!

[email protected]