رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رؤى

 

 

 

 

لا أعرف من الذى ألف هذه الحكاية، ولماذا قرروها علينا فى المرحلة الابتدائية، هل لكى يسخروا من أحلام الفقراء أم من السيدات المعيلات، لماذا كانوا يحرمون على الفقراء أن يحلموا بالثراء والنعمة.

فى الستينيات عاصرت العديد من نساء قريتنا يخرجن فجرًا بقسط اللبن، وخلال الفترة نفسها كانت قصة حاملة الجرة ضمن نصوص القراءة: بعد صلاة الفجر، حملت القسط، وتركت القرية إلى المدينة لكى تبيع اللبن، لطول المسافة جلست تحت شجرة على جانب الطريق لتأخذ قسطًّا من الراحة، غلبها النوم، حلمت بأنها باعت اللبن الذى تحمله، وعادت إلى بيتها، وفى الصباح التالى ملأت القسط ونزلت المدينة، وباعت اللبن وادخرت ثمنه، وتكررت الأيام، وأصبح لديها مبلغ كبير استأجرت به محلًا تبيع فيه الألبان، والمحل حقق لها أرباحًا، ادخرتها وحققت ثروة لا بأس بها، عند استيقاظها من غفوتها تقلبت فضربت بقدمها القسط وانسكب اللبن على الأرض، وتبدد كل شيء.

هذه القصة سمعتها قصة فى أكثر من صياغة، مرة قيل إنها كانت تحمل جرة وليس قسطًا، وقيل الجرة كان بها سمن، وقيل إنها كانت جرة عسل، وعند استيقاظها رفست الجرة فانكسرت وانسكب السمن أو العسل على الأرض.

هذه السيدة بجرتها ظلت عالقة فى ذاكرتى لسنوات طويلة، وكلما تذكرتها انتابتنى حالة من الحزن، فكسر الجرة يعنى أنها لن تجد قوت يومها هى وأولادها، لأنها كانت تعول أسرتها،

بعد مرور سنوات الطفولة والصبا استدعيت القصة، ورويتها على نفسى أكثر من مرة، واتضح لى أن تفسيرهم للحلم ظلم المرأة، فهى مجرد سيدة فقيرة، لا تمتلك حتى ثمن المواصلات التى تنقلها إلى المدينة، وكانت تقطع عدة كيلو مترات من القرية للمدينة مشيًا على قدميها، ولطول المسافة كانت تتوقف فى الطريق لكى تأخذ قسطًا من الراحة، وبسبب تعبها يغلبها النوم وتحلم.

وبالنسبة للحلم الذى سخروا منه أو عدوه أكبر من قدراتها، فهو من الأحلام المشروعة، لأنها لم تحلم ببيع القسط بمبلغ كبير يحقق لها الثراء، بل كان حلمها يصور شقاءها وكدها فى العمل، وادخارها بعضًا من الأموال لاستئجار محل تعمل فيه وتدخر من أرباحه بما يحقق الثروة، حلم المرأة يؤكد أنها كانت تخطط بشكل عملى للمستقبل، لم تحلم بتحقيق ثروة من الهواء، بل من كدها فى العمل.

فقد كانت تستيقظ مبكرًا، وتملأ جرتها، وتقطع الطريق من القرية للمدينة، وفى المدينة كانت تلف الشوارع تنادى على بضاعتها، وقبل نهاية اليوم تعود إلى أولادها لتجهز لهم الطعام، لماذا سخروا منها؟، ولماذا حملوا قصتها ما ليس بها؟، ولماذا قرروها علينا بالمدرسة؟ الله أعلم.