رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

أي فعلٍ نقوم به في الحياة له هدفٌ ما. نحن نعمل لكي نحصل على المال. ولكن المال ليس هدفاً في ذاته. نحن نريد المال لكي نفعل به أشياء أخرى. نرغب -مثلاً- في استخدام المال لشراء أشياء أكثر ليست لدينا. ولكن لماذا نُريد أن نشتري أشياء أكثر؟ لكي نشعر بالسعادة.

السعادة هي القيمة التي تُطلب لذاتها، وليس لشيء آخر يتحقق من ورائها. إذن هي الهدف من أي وكل مسعى بشري. على الأقل، هذا ما ذهب إليه بعض فلاسفة اليونان القدماء وعلى رأسهم «أبيقور». هو قال ببساطة إن الهدف من الحياة هو الحصول على السعادة والمتعة وتجنب الألم والمعاناة.

في القرن التاسع عشر، أخذ فلاسفة الإنجليز «بنثام» و»ستيوارت ميل» هذه الفكرة البسيطة إلى نقطةٍ أبعد. لماذا لا يتم تأسيس الأخلاق والسياسة ونظام المجتمع على مبدأ المنفعة؟ الشيء الجيد هو الشيء النافع والمفيد. هكذا ينبغي أن يكون معيار الحكم على أي شيء وكل فعل أو تصرف. ليس هناك فعلٌ جيدٌ في ذاته. الأمرُ يتوقف على نتيجة الفعل. إن كانت النتيجة نافعة، فالفعل جيد. هذا باختصار هو جوهر «الفلسفة النفعية».

إنه منطق بسيط، ومن الصعب دحضه. وقد رأى الفلاسفة الإنجليز أن هذه الفلسفة تصلح كأساس لتنظيم المجتمع كله. مبدأهم الحاكم كان بسيطاً جداً: «تحقيق أكبر قدر من المنفعة والسعادة لأكبر عددٍ من الناس». انطلاقاً من هذا المبدأ يمكن تصميم السياسات الحكومية لكي تحقق سعادة أكبر عدد من الناس، وتقلل الألم بقدر الإمكان. مثلاً: لا ينبغي أن يكون الهدف من العقوبات الجنائية هو تحقيق القصاص أو الانتقام بإنزال ألمٍ لا مبرر له بالجناة، ولكن يتعين أن تأتي هذه العقوبات متناسبة فقط مع تحقيق الردع، فالهدف من ورائها منفعة المجتمع بتقليل الجريمة في المستقبل وليس الانتقام من الجاني.

مع بساطة المبادئ التي تقوم عليه الفلسفة النفعية، إلا أنها خلقت مشكلاتٍ كثيرة. كيف نُحدد سعادة الشخص؟ وهل للسعادة درجات؟ أيضاً: ماذا نفعل إذا تعارضت المنفعة مع مبدأ أخلاقي؟ تأمل هذا المثال: خمسة أشخاص يدخلون المستشفى ويحتاج كل منهم لنقل عضو مختلف (قلب/كبد.. إلخ) وإلا يواجه الموت المحقق. ثمة شخص سادس، صحيح ولكنه طاعن في السن. هل من الأخلاقي أن ننهي حياته لنحصل على الأعضاء التي ستنقذ حياة خمسة أشخاص؟ المبدأ يقول: أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس. في هذه الحالة نحن أمام سعادة خمسة أشخاص مقابل تعاسة شخص واحد سوف يلقى حتفه. مسألة محيرة!

بعض النفعيين لديهم ردود على هذه المعضلة. قتل الشخص ضد مبدأ المنفعة، إذ ليس مفيداً للمرء -على المدى الطويل- أن يعيش في مجتمع قد يقبل بإنهاء حياته، حتى ولو كان الهدف هو انقاذ حياة خمسة أشخاص.

برغم ما فيه من مشكلات يظل مبدأ المنفعة منظوراً جيداً للتفكير والحكم على الأمور، سواء أمورنا الشخصية أو الشأن العام.

[email protected]