رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

استعرضنا فى المقال السابق كيف اغتصب بنو إسرائيل مدينة يبوس أو القدس من العرب الكنعانيين واليبوسيين، وكيف دمر الأباطرة الرومان كل أثر يهودى فى المدينة إثر ثوراتهم ضدهم، التى بلغت أشدها فى عهد لإمبراطور هادريان الذى سوى المدينة بالأرض، وبنى عليها مدينة جديدة سماها إيلياء كابيتولينا وحرم على اليهود دخولها؛ ومنذ ذلك التاريخ كتب الشتات على اليهود فى الأرض، مما زاد فى عدائهم للمغايرين لهم. فلا يمكن تفسير المسلك العدائى للصهاينة تجاه العراق دون الرجوع لما فعله نبوخذ نصر حين اقتاد اليهود مقيدين فى الأصفاد إلى بابل؛ ولا يمكن تفسير العداء السافر مع العرب الفلسطينيين بعيدًا عن قضية سرقة التابوت بما فيه من بقايا ألواح موسى وغيرها من الحوادث التى تستدعى الوقوف عندها.

وانتهينا فى المقال السابق أيضًا إلى استلام عمر بن الخطاب مفاتيح بيت المقدس من البطريرك صفرونيوس وتوقيعه على معاهدة إيلياء التى بموجبها نال مسيحيو المدينة حقوقهم كاملة مع طرد اليهود خارجها.

وجاءت اللحظة الحاسمة بعد تلك الأحداث، فخرج عمر بن الخطاب عند الفجر للبحث عن الصخرة المقدسة التى ربط عندها النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) البراق، حيث عرج إلى السماء؛ وكان هدفه العثور عليها وعلى ساحة «المسجد الأقصى»، التى صلى فيها النبى محمد بالأنبياء، والمجاورة لتلك الصخرة- حسب صحيح مسلم والعسقلانى وغيرهما- التى حرثها الأباطرة الرومان وسووا بها الأرض.

جدير بالإشارة أن البعض ادعوا بأن المسجد الأقصى ليس بمدينة القدس، وتمادوا فى القول إن المسجد الأقصى ربما كان بالطائف؛ رغم أن تعبير «الأقصى» لغويًا إنما قصد به البعيد للغاية أى الأبعد عن مكة المكرمة، وهو ما لا ينطبق على الطائف لقربها الشديد من مكة عبر طريق الهدا الجبلي، الذى يستغرق 45 دقيقة بالسيارة أو بضع سويعات بالدابة.

وأتعجب من هؤلاء المنظرين الذين يسعون لتجريد المقدسيين من ذخائرهم المقدسة، فاستكثروا عليهم أن تحوى مدينتهم أولى القبلتين وثالث الحرمين! ولعل من يزور مسجد «ذو القبلتين» فى المدينة المنورة سيجد بجلاء الوجهة الأولى التى كان يصلى نحوها النبى محمد (عليه الصلاة والسلام) نحو القدس، وسيجد القبلة الثانية نحو مكة المكرمة التى تحول إليها أثناء الصلاة، وهذا شاهد أثرى لا مراء فيه. فهل كان النبى يصلى بالمسلمين وفق هواه أم صوب بيت المقدس، حيث أمره الله بذلك؟

لقد شرَّف الله بيت المقدس بأن جعلها أولى القبلتين للمسلمين، فهى الأرض المقدسة التى حملت رسلاً وأنبياءً اصطفاهم الله ومنهم محمد حين صلى فيها بالأنبياء، وعرج منها إلى السماء.

ويخبرنا السيوطى فى كتابه «إتحاف الأخِصّا بفضائل المسجد الأقصى» بأن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- أخذ يسأل بعض اليهود عن موضع الصخرة حتى دله أحدهم عليها، وكانت تغطيها القمامة، فشمر عن ساعديه وكذلك فعلت الصحابة، فأزاحوا تلك القمامة حتى بانت لهم وتيقنوا أنها هى التى وصفها النبى لهم، وأن الأرض المجاورة لها هى المسجد الأقصى الذى صلى فيه محمد بالأنبياء؛ ومن ثم شرع فى بناء مسجد مشابه للمسجد النبوى بالمدينة المنورة شرقى المسجد الأقصى، عرف باسم مسجد عمر بن الخطاب.

وهكذا، يعود الفضل لعمر بن الخطاب فى الكشف عن الصخرة المقدسة ومن ثم تحديد موضع المسجد الأقصى، بل وأكد الهوية الإسلامية للمكان ببناء مسجد للمسلمين هناك. وتلك الصخرة هى التى بنى فوقها لاحقًا عبدالملك بن مروان تلك القبة المذهبة التى نألفها فى وسائل الإعلام، ويظنها البعض خطأ أنها هى المسجد الأقصى.

(التكملة فى المقال التالي)

* كاتب ومؤرخ