رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

«نيقولا ميكافيلى» «1469-1527» اكتشف السياسة! هو شبّه نفسه بكريستوفر كولومبس، وكان محقاً. العالم الجديد كان هناك طول الوقت. ما فعله «كولومبس» كان اكتشافه. السياسة أيضاً كانت تُمارس عبر التاريخ. مبادئها لم تكن غائبة عن رجال من عينة يوليوس قيصر ومعاوية بن أبى سفيان. ما فعله «ميكيافيلى» كان الكشف عن هذه المبادئ، وفضحها!

للوهلة الأولى، تبدو هذه المبادئ من المُسلمات البديهية، وبحيث لا يتطلب الكشف عنها حصافة كبيرة أو ذكاء عظيماً. فى العمق، هى وليدة نظرة فلسفية لم يصل إليها أى شخص من الأقدمين قبل «ميكيافيلى». هو كان يُفكر بطريقة حديثة. لذلك فهو قريبٌ من فهمنا وتفكيرنا وممارساتنا اليوم. أما فى عصره فقد كان تفكيره ثورياً.

الفكرة الكبرى التى جاء بها «ميكيافيلى» هى التمييز بين العالم كما هو فى الواقع، والعالم كما ينبغى أن يكون. أى التمييز بين ما هو كائن، وما هو واجب. هو يُسجل أن هناك فجوة بين هذين الموقفين. بل ويُضيف شيئاً مهماً: أن من يهمل «ما هو كائن» لصالح ما «ينبغى أن يكون» ينتهى به الأمر إلى الخسران.

ما المجال الذى يُعنى بـ«ما ينبغى أن يكون»؟ إنه الدين والأخلاق. فكرة ميكيافيلى الثورية تتلخص فى أن السياسة مجالٌ مختلف. ومن ثمَّ يتعين فصلها عن هذين المجالين. هذا ما يُسمى بالعلمانية، أى فصل الدين عن الدولة. لذلك فإن الأمير، أى صاحب السلطة، لا ينبغى أن يتقيد بالمبادئ الأخلاقية أو التعاليم الدينية. ليس معنى ذلك أن يكون شخصاً شريراً. ما قصده ميكيافيلى تحديداً هو أن يكون الأمير مستعداً لخرق بعض المبادئ الأخلاقية إذا اقتضت الضرورة ذلك.

الخطير فى فلسفة ميكيافيلى هو إعادة تعريف الخير والشر. هذا الجانب بالتحديد فى كتاباته هو ما أسبغ عليه سوء الذكر لفترة طويلة. ميكيافيلى يصر على أن يسمى الأشياء بأسمائها. يقول إن الناس لا تنتظر من الأمير أن يكون خيراً أو طيباً، بل -فى الأساس- أن يكون حاسماً وفعّالاً ومُنجزاً. الطيبة والخير والعدالة هى أشياء يقدرها البشر عالياً فى الحياة العادية، ولكن «ميكيافيلى» يقول لنا إن السياسة ليست مجالاً عادياً. هى عالم مختلف بقواعد مختلفة كلياً.

لو أنك كنتَ عادلاً وطيباً فى عالم من الظلم والشر، ما الذى سيحدث لك؟ سوف تخسر وتُهزَم. «ميكيافيلى» ينظر إلى الجانب الشرير فى الطبيعة البشرية لأنه ينظر إلى الأشياء كما هى فى الواقع. لا يتصور ما هو ليس موجوداً. يتعامل مع البشر على ما هم عليه. يصل إلى خلاصة بأنه لو خُيِّر الأميرُ بين أن يكون محبوباً أو مهاباً، فعليه أن يختار الثانية. السبب وراء ذلك عملىٌ جداً ككل فلسفة «ميكيافيلى». الحب لن ينقذ الأميرَ فى لحظات الضعف والمؤامرات. ما سينقذه حقاً هو أن يتوقع الآخرون أن يصيبهم أذاه إن هم عملوا ضده.

عندما تفكر فى السياسة بطريقة واقعية، تذكر أنك مدينٌ لهذا الإيطالى العبقرى الذى طالما عانى شخصياً من السياسة وتقلباتها!

[email protected]