رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لم تكن زوجتى الكاتبة الصحفية سعدية شعيب شخصية عادية كما لم يكن زواجنا زواجاً تقليدياً، فقد تعارفنا وقد مضى كل منا فى طريقه وطموحه الذى رسمه لنفسه، هى فى طريق الصحافة وأنا فى سلك التدريس والعمل الأكاديمى ويبدو أنه لم يكن فى تركيزها ولا تركيزى بمسألة الارتباط والزواج حيث التقينا فى نهايات الثمانينات من القرن الماضى وكنت فى عمر السادسة والثلاثين وهى فى أواخر العشرينيات وشارفت على الثلاثين. وكنت وقتها بدأت الكتابة لجريدة الأهرام ونشر لى بعض المقالات، ما أتاح لى فرصة التعرف على بعض أعلام الأهرام الذين كنت أذهب للقائهم وهناك وجدتها صحفية شابة جميلة ونشيطة ومرحة فى مجلة الشباب وعلوم المستقبل التى كان يرأس تحريرها المرحوم صلاح جلال تحرر باباً ثابتاً بعنوان «لك ياعزيزتى» بالإضافة إلى ما كانت تملأ به صفحات المجلة من تحقيقات وموضوعات متنوعة تعتمد على العمل الصحفى الميدانى وكم تعجبت وهى بنت حى الزمالك المرفه تملك هذا القدر الهائل من الخبرة فى انتقاء المعلومات المفيدة للشباب وفى الرد على مشكلات الفتيات من مختلف الأعمار وفئات المجتمع وفى ذات الوقت تجوب الشوارع والنوادى والهيئات الشبابية وغير الشبابية وتكاد تقضى يومها كله فى البحث والتقصى ومقابلة شخصيات عامة وعادية وتقدم كل ذلك بأسلوب شائق وممتع وملىء بالتعاطف مع كل ما تقابلهم من شخصيات وخاصة الضعفاء منهم!!

 ولما أصبحت المجلة أسبوعية ورأس تحريرها عبدالوهاب مطاوع ازدادت نشاطاً وتألقاً وأصبح يومها الصحفى ينتهى بلقاء الاستاذ مع زملائها وزميلاتها فى المساء وقد يمتد إلى منتصف الليل أحياناً وقد كان هذا العمل الشاق كفيلاً بأن يحرم الفتيات اللاتى كن يعملن مع هذا الاستاذ العظيم من فرص التفكير فى الزواج! ما بالك بالزواج ذاته!، لكن لحسن الحظ فقد تم عقد قراننا مع وعلى يد أ. صلاح جلال ومن ثم كان الزواج حتمياً. لكن الواقع أننا تزوجنا فى الوقت الذى كان وقتها مقسماً فيه بين العمل وخدمة والسهر على والديها الطاعنين فى السن ومعاناة المرض. وكانت سعدية تتحمل كل ذلك بابتسامه عذبة راضية لم تفارقها مطلقاً.

وكانت تتهم من قبل زميلاتها فى قسم المرأة التى رأسته فترة من حياتها بأنها الوحيدة بينهم التى تدافع عن الرجال وتنصفهم فيما تقول أو تكتب. وقد آثرنى كل ذلك حتى وصفتها بأنها «قلب بداخله امرأة» فقد كان قلبها يسع الجميع، من أحبها ومن ضايقها أو تآمر عليها

أما عن حياتنا معاً فقد كانت جوهرها الصداقة الرائقة، فلم يكن يشغلنا توافه الأمور ولم نختلف يوما إلا على أشياء تخص تربية الأبناء وانشغالى عنهم أكثر من اللازم!! لقد كانت حياتنا جميلة بحق لأن الصداقة والحب الذى جمعنا كان رغم كل ما صادفنا من مشاكل وصعوبات عميقاً ولا تهزه العواصف فقد كانت نعم الصديقة بل لقد أغنتنى حتى عن أصدقائى من الرجال حيث كانت تحسن الاستماع كما تحسن الحكى والكلام، فقد كنت أسرع بعد أداء عملى أياً كان إلى المنزل ناسياً كل مشاكله لكى آنس بالاستماع إلى ما لديها من حكاوى اليوم وكل يوم فلم تكن تترك تفصيلة واحدة فى عملها أو تخص الأولاد والمنزل إلا وتحكيها لى ونجلس ساعات المساء بلا ملل وكم كانت حكاياتها مليئة بالحب للجميع واختلاق الأعذار لكل من يخطئ فى حقها أو يعوقها عن التقدم فى عملها. وكم كنت أسمع دون أن أتبادل معها الحكى فتقول: فين حكاويك أنت! فلا أزيد على القول: لا شىء..أعطيت محاضراتى أو حضرت اجتماعاتى ولاجديد !! فتقول أهذا كل ما لديك؟ قل لى: قابلت من.. تحدثت مع مَن.. الخ. فتدفعنى دفعاً إلى رواية بعض التفاصيل التى لم أكن اعتبرها مهمة بالنسبة لها لكنها دائما ما كانت تقول: التفاصيل مهمة لأزداد معرفة بك ولأعرف من تصادق وما يواجهك من مشاكل وكان الحوار عادة ما ينتهى من جانبى بأنى لاأريد أن أحمل مشاكل العمل إلى المنزل كفاك ما لديك !! وسرعان ما تقول أنتم هكذا يارجال تحبون أن تكونوا صناديق مغلقة والحياة لا تكون جميلة إلا بالحديث معاً. ولم أعرف قيمة ذلك حقاً إلا بعد أن اختطفها فيروس كورونا اللعين ورحيلها عنى. لقد فرغت حياتى من صاحبة الحكاوى الجميلة التى كانت هى وحكاويها جوهر حياتى الحلوة وسر أسرار ابتسامتى وسعادتى !! فيا كل الأزواج والزوجات كونوا حكائين لبعضكم البعض فلا تحلو الحياة إلا بالصداقة بين الزوجين ومقياس الصداقة الحلوة هو أن يأنس كل منكما بحديث الآخر ولا يشبع منه. كونوا حكائين تكونوا سعداء.