رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

في الأسطورة اليونانية أن زيوس غضب على برميثوس الذي أعطى شعلة النار للإنسان. انتقم زيوس من البشر بأن أرسل «باندورا» حاملةً صندوقها الشهير الذي ما إن فتحته حتى خرجت منه الشرور كلها، كالأمراض والموت وغيرهما. سارعت «باندورا» بإغلاق الصندوق، ولكن بقيَ في قعرِه الأمل. وليس مفهوماً من هذه الأسطورة إن كان الأمل هو واحدٌ من هذه الشرور، أم أنه فضيلة تُعين البشر على تحمل الشرور الأخرى. إنه لغزٌ كطبيعة الأمل المراوغة ذاتها!

نعم.. الأمل حالة عقلية ونفسية مراوغة. من يحمل الشعور بالأمل يفترض أن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر والماضي. يؤمن بأن ما لم يتحقق اليوم من أمنياتٍ سيتحقق غداً. وإذا تفكرت في الأمر قليلاً لوجدت أن هذا الموقف غير واقعي إلى حد بعيد، إذ دلت الخبرةُ الإنسانية أن عوارض الحياة وتصاريف الأقدار كثيراً ما تحول بين الإنسان وبين تحقيق آماله أو نيل مراده. ونحن نعرف أن أغلب آمالنا وأمنياتنا، التي طالما حملناها بين جوانحنا عبر رحلة الحياة، لم تتحقق. بل لدينا شعورٌ دفين بأن السواد الأعظم من الآمال التي لا زالت تنطوي عليها نفوسنا.. لن تتحقق أيضاً! ومع ذلك نتشبث بالأمل، ونتمسك به صديقاً ورفيقاً لنا في رحلة الحياة!

 إن هذا الموقف «اللاعقلاني»، والذي لا يقوم على أساسٍ غالباً، هو ما يُساعدنا على اجتياز صعوبات الحياة وتحمل مشاقها وآلامها.. على أملٍ أن يكون الغدُ أفضل!

 ولما كان المستقبل بيد الله، وفي غياهب القدر، فإن الشعور بالأمل والرجاء هو أيضاً نوع من الإيمان. بل إن الإيمان، في جوهره، يتأسس على الأمل.. الأمل في رحمة الله. وفي الذكر الحكيم: «ولا تيأسوا من روحِ الله، فإنه لا ييأسُ من روح الله إلا القوم الكافرون». وفي الدين المسيحي، يحمل المتدين أملاً يقينياً في الخلاص، وفي الحياة الأخرى، وفي المجيء الثاني للسيد المسيح.

يعيش البشرُ مؤملين ما لا يُدرَك. تتحطم آمالهم على صخرة الواقع، فيصنعوا آمالاً جديداً يعيشون عليها. وفي هذه العملية يمنحهم الشعور بالأمل طاقة كبرى، وسعادةً غامضة. يقول الشاعر: «مُنى إن تكن حقاً تكن أحسن المُنى ... وإلا فقد عشنا بها زمناً رغداً!». والمعنى أننا نسعد بتحقق أمنياتنا أيما سعادة، ولكن إن لم تتحقق هذه الأمنيات، فقد فزنا بشعورنا اللذيذ بالأمل، وسعدنا زمناً بالرجاء الذي حملته قلوبنا. إن هذا البيت يُمسك بـجوهر «فلسفة الأمل» ويُلخصها في كلمات قليلة موحية.

في بعض الأحيان يتحول الأملُ إلى مخدرٍ لذيذ له ذات الأثر الذي تُحدثه المخدرات: الهروب من الواقع، وإنكاره. لذلك يُنصحُ أن يتعاطى المرء جرعاتِ الأمل بحرص، ومن دون إفراط. فلا حياة من دون أمل. وإن فتشتَ خلف كل عملٍ عظيم أو إنجاز كبير، لوجدتَ خلفه آمالاً كباراً طالما اعتملت في النفوس أياماً وليالي. على أنك لو فتشتَ خلف كل حزنٍ، وكل خيبة وتعثر، لوجدتَ خلفه أيضاً – وياللعجب! – آمالاً كبيرة أيضاً!

ألم أقل لك إن الأمل شعورٌ مراوغ؟

[email protected]