عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يبدو أن فلسطين ستظل جُرحنا الدامى الذى ينزف دمًا ليل نهار على مرأى ومسمع من الأشهاد، وأقصى ما نقرأه أن هذا يشجب وذاك يدين، وتلاشت قوة الحق واختفى صوت العدل أمام المصالح التى جمعت بين الثعالب وأُسدْ الغابة.

المقدسيون الصامدون تاريخهم مملوء بصور المقاومة ضد الغزاة الذين جاءوا إلى فلسطين من كل حدب وصوب، فالمأساة تعود إلى زمن العرب الكنعانيين واليبوسيين، الذين هاجروا إليها من الجزيرة العربية منذ ما يزيد عن 3000 عام ق.م.، حين قرر موسى (عليه السلام) الخروج بشعبه من أرض مصر هربًا من بطش فرعون مصر ببنى إسرائيل، متجهًا بهم إلى أرض كنعان عبر جنوب سيناء.

خرج موسى (عليه السلام) ومعه شعبه متجهًا إلى أرض كنعان، ومن ثم ليدخلوا مدينة يبوس التى أسسها العرب اليبوسيون وبنوا لها حصنًا وسورًا يحميها من الغزاة فى عهد ملكها ملكى صادق، ونعرفها الآن باسم بيت المقدس؛ ثم قاد يوشع بن نون بنى إسرائيل، بعد انقضاء سنوات التيه، ودخل بهم إلى أرض كنعان. ورغم مقاومة يبوس لفترات طويلة الغزوات العبرانية، إلا أن العبرانيين تمكنوا فى نهاية المطاف من دخولها فى عهد داود، وأطلقوا عليها اسم مدينة صهيون ومدينة داود، وأحيانًا شاليم؛ ولاحقا بنى لهم سليمان (عليه السلام) هيكلاً ليحفظ فيه التابوت الذى يحوى لوحين من ألواح شريعة موسى.

وعقب موت سليمان انقسمت مملكته إلى مملكتين متنافستين: إسرائيل، ويهوذا؛ وضعفت قوة بنى إسرائيل لاختلافهما فاستولى الأشوريون على فلسطين. وفى العام 586 ق.م هاجم البابليون مملكة يهوذا بقيادة نبوخذ نصر، فدمروا هيكل سليمان وقاموا بأسر اليهود إلى بابل، فيما يعرف باسم الأسر البابلي.

ولاحقًا قام الإمبراطور الرومانى تيتوس سنة 70م بطرد اليهود من المدينة ودمر الهيكل ثانية بل وحرث أرضيته، على أثر ثورة اليهود ضده. وجاء الإمبراطور هادريان (76-138م) فحرم على اليهود دخول أورشليم؛ فتشتتوا فى المعمورة من وقتها، وغير اسم المدينة إلى إيليا كابيتولينا، وهو الاسم الذى ظل متداولاً حتى الفتح العربى لفلسطين. ومنذ ذلك الوقت لم يعد هناك هيكل لليهود بالقدس أو أثر يشير إلى مشروعية وجودهم على أرض الكنعانيين، العربية بشهادة التوراة.

أما اسم أورشليم، ويعنى «مدينة السلام»، فهو الاسم الذى كان أساسه أورسالم فى الكتابات المسمارية ثم تحول إلى أورشليم أو يورشاليم فى التوراة، وبعد انتشار المسيحية تحول إلى شليم أيضًا.

عانى المقدسيون طويلاً من أطماع الغزاة، وقاوموهم كثيرًا عبر التاريخ، فالمدينة لها أهمية دينية خاصة عند أصحاب الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام. وحين دخل العرب عام 836م المدينة اشترط عليهم البطريرك صفرونيوس أن يسلم مفاتيح المدينة إلى حاكم العرب، عمر بن الخطاب، وليس إلى أبى عبيدة بن الجراح، قائد عام الجيوش. وحين وصل أمير المؤمنين صلى ركعتين خارج الكنيسة على بعد رمية منها، حتى لا يتخذها المسلمون سنة إذا صلى بداخلها. وضرب أول مثل لصفرونيوس على احترام العرب المسلمين للآخر، غير المسلم.

وجاءت الخطوة الثانية حين عقد معه معاهدة إيلياء، التى بموجبها أمَّن المسلمون النصارى على أموالهم وكنائسهم وبيعهم وصلبانهم وأموالهم...إلخ. غير أن اللافت للنظر هنا أنها احتوت على شرط مهم للغاية، وهو: ألا يسمح لليهود بالإقامة داخل المدينة مع النصارى، ويدخلونها فقط لقضاء حوائجهم نهارًا، ويخرجون منها ساعة الغسق. وهكذا، وقع عمر بن الخطاب على هذا الشرط الذى يبدو أنه كان بناءً على طلب صفرونيوس، بطريرك بيت المقدس.

(يُستكمل فى المقال التالي)

* كاتب ومؤرخ