رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

النهضة الأوروبية فى القرن الخامس عشر هى الظاهرة التى صنعت عالمنا كما نعرفه اليوم. إنها الجسر الذى عبر عليه البشر من العصور الوسطى إلى عصر جديد. لم تأتِ النهضة نتيجة لحدث واحد، كانتصار فى معركة حربية أو ثورة شعبية. لم تبزغ كمحصلة لسياسة حكيمة أو قرار من حاكم متنور. كانت جملة من الأحداث المتداخلة التى أفرزت نوعاً مختلفاً من التفكير، ونظرة مغايرة لنظام الأشياء فى العالم. تلك النظرة هى التى قادت فيما بعد إلى الفتوحات العلمية، والاكتشافات الجغرافية التى أتاحت للبشر – ولأول مرة فى تاريخهم على الأرض - أن يعرفوا عالمهم على اتساعه، بل وأن يعرفوا مكانهم فى الكون الفسيح.

لقد بزغت هذه النظرة الجديدة فى إيطاليا فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر. جوهرها النظر للإنسان ودوره فى عمارة الأرض باعتباره المحور الأساسى لكل تفكير وعمل. البرنامج الأساسى للنهضة الأوروبية كان «الإنسان». لذلك تجد فنانى النهضة، مثل مايكل أنجلو ودافنشي، وقد تباروا فى تصوير الجسد الإنساني، رسماً ونحتاً.

فى عصرنا نسمى هذا «البرنامج» الذى ينطلق من الإنسان وينتهى إليه، بالتنمية البشرية. هدف العملية التنموية اليوم هو الارتقاء بالإنسان ذاته، فى صحته ومعرفته ووعيه. غاية التنمية هى توفير الفرص له لكى يعتنى بذاته ويسعد بحياته، ويزدهر بتحقيق إمكانياته. فى عصر النهضة الأوروبية أُطلق على هذا المنهج «النزعة الإنسانية».

من تبنوا هذه النظرة آمنوا بفكرة أساسية: أن بالإمكان تدريب الإنسان والارتقاء بشعوره وإرادته لكى يصير أفضل. وأن الطريق إلى ذلك يمر عبر برنامج تعليمى يقوم على اتقان اللغة والشعر والبلاغة والخطابة والتاريخ والموسيقى، وكذلك الرياضيات والهندسة والفلك. هذه الفنون تُعرف بالفنون الحرة. الهدف ليس حفظ النصوص القديمة، كما كان الحال فى العصور الوسطى. بل الغاية هى أن يستلهم الإنسان هذه النصوص، لكى يُعبر عن ذاته بأسلوب صحيح ورائق وبديع. الفكرة الأساسية هى تدريب الإنسان على أن يفكر بنفسه وأن «يعتنى بذاته» على حد قول الفيلسوف الرومانى «شيشرون».

والحال أن أول من تبنى هذا البرنامج عملياً كانا حاكمى فلورنسا، سيوتاتى وبروني، فى أواخر القرن الرابع عشر. لقد رأيا أن مدينتهما كادت تقع فريسة لغزوة خارجية، وفكرا فى أن المشكلة تكمن فى المواطن نفسه، وأن الحل هو «خلق مواطن جديد»، قادر على الحكم الصائب على الأمور ومواجهة الأزمات التى تتعرض لها بلده. خطتهما ارتكزت على برنامج تعليمى يقوم على النزعة الإنسانية والفنون الحرة.

ركز أنصار النزعة الإنسانية على جانب مهم فى التعليم: تنمية الوجدان والإرادة، عبر الشعر والأدب. ليس لهذه الفنون فائدة مباشرة مثل الرياضيات، ولكنها أساسية فى تنمية وجدان الإنسان. لا يهم ما تتعلمه إن كنت لا تعرف ما تفعل به. تنمية الوجدان والإرادة، فى هذه الحالة، أهم من تنمية العقل.

[email protected]