رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

«جاليليو جاليلى» معروفٌ بفتوحاته العلمية فى الفلك. هو أول من استخدم التلسكوب فى النظر إلى السماء. هو أيضاً معروف بدفاعه المهم عن نظرية كوبرنيكوس عن دوران الأرض والكواكب حول الشمس، وليس العكس كما كان الفهم السائد قبلها. غير أن لـ«جاليليو» إسهاماً لا يقل أهميةً فى كيفية فهم النصوص الدينية، والسبيل الأفضل لتفسيرها. هذا الجانب من تفكير «جاليليو» ما زال نافعاً اليوم، خاصة بالنسبة للثقافات التى ما فتئت تخوضُ معارك متواصلة وجدالات عنيفة حول تفسير النصوص الدينية، والمنهج الذى ينبغى تطبيقه لفهم تلك النصوص.

كان «جاليليو» يرى أن الله ألّف كتابين وليس كتاباً واحداً. الأول هو الكتاب المقدس، والثانى هو كتاب الطبيعة. فكرته الكبرى كانت أن على الإنسان أن يفهم الكتابين معاً، وأن يُفسر الكتابين معاً. الكتاب الأول مكتوب بلغة يتحدثها البشر، ويقوم رجال الدين بتفسيره. فما لغة الكتاب الثاني؟

الكتاب الثانى، أى كتاب الطبيعة، مكتوب بلغة رياضية. لذلك كان «جاليليو» يرى أن علينا، لكى نفهم الكتاب الثانى، استخدام نفس اللغة التى كُتب بها. أن ننطلق إلى العالم، نُشاهد ونُلاحظ، ونُجرى التجارب. نقيس الأشياء والأبعاد، ونستخلص العلاقات والأنماط. تلك هى الوسيلة الوحيدة لفهم كتاب الطبيعة، بمراقبة الطبيعة نفسها. هذه الفكرة تبدو بسيطة، على أنها تعكس تفكيراً ثورياً بالنسبة لعصر الذى عاش فيه جاليليو.

فى هذا العصر كانت التجربة شيئاً لا يُعتد به فى مواجهة النصوص القديمة الراسخة. اعتُبر أرسطو على صوابٍ دائماً، وفى كل شىء. الكنيسة نفسها تبنت فكر أرسطو باعتباره الحقيقة. كان أرسطو يرى أن الأجسام الأثقل تسقط على الأرض على نحو أسرع. لم يكن جاليليو مقتنعاً. ماذا فعل؟ أجرى تجربة. ألقى ثقلين متفاوتين فى الوزن من فوق برج بيزا. وصلا إلى الأرض فى الوقت ذاته. هكذا، بالتجربة، دمّر نظرية أرسطو المستقرة. كتب لأحد المدافعين عنها: «أنت لا تعرف أين ينبغى أن تنظر. أنت تنظر فى كتاب كتبه إنسان، ولكن كتاب الطبيعة هو ما يجب أن تنظر إليه. وعليك أن تفهم لغة خلق الله لكى تفهم هذا الكتاب، ولغة الخلق هى الرياضيات والهندسة، من دونها ينظر الإنسان إلى الطبيعة من دون طائل».

فكرة الكتابين هذه تُعد وثبة عبقرية فى تفسير النص الدينى. جاليليو كان يرى أن خلق الله يعكس كمالَه المطلق، وأن الله لا يمكن أن يناقض نفسه. فإذا حدث ووجدنا، باستخدام القياس والرياضيات، شيئاً فى كتاب الطبيعة يُناقض ما جاء فى النص الدينى، فالعيبُ هنا فى فهمنا للنص الدينى وتفسيرنا له.

بعبارة أخرى، ما يريد منا جاليليو فعله هو أن نقرأ الكتابين معاً ونفهمها معاً، لأن حكمة الله تتجلى فى خلقه كما تتجلى فى كلماته.

 

[email protected]