رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نحو المستقبل

أعجب ممن لا يزالون يرددون عن الامام أبوحامد الغزالى ( المتوفى 505 ه ) كلاما غريبا عن أنه ضد العلم والعلمانية (بكسر العين وفتح اللام ) وضد الفلسفة والفلاسفة وأنه بذلك كان بكتاباته وسيرته سببا من أسباب تخلف الأمة. وذلك على خلاف الحقيقة التى كم حاولت توضيحها منذ ثلاثين عاما، منذ مقالتى عنه فى كتاب « فلاسفة أيقظوا العالم « تحت عنوان ا»لغزالى وأسلمة نظرية المعرفة « حيث قلت بأن هذا الرجل كان له أفضال كثيرة على الفلسفة والفلاسفة بعكس ما أوحى به كتابه « تهافت الفلاسفة « ومافهم منه خطأ ؛ لقد قلت بأن عنوان الكتاب ليس ضد الفلسفة ولايهاجمها وانما هو ضد بعض آراء الفلاسفة وخاصة فى قضية واحدة من القضايا التى تناولوها وهى قضية الألوهية.

 ولقد قلت حينذاك مستشهدا بكلمات من كتاباته أنه صاحب نظرية فى المعرفة تنتقل من الشك إلى اليقين وتحترم العقل احتراما شديدا لدرجة أنه احتج بالعقل ضد غلاة الصوفية الذين اشتهروا بشطحاتهم الفكرية وكلامهم الذى إن أخضعناه لتصديق العقل صار خارجا عن منطقه وعن الدين فى آن معا. والحقيقة أن الذين لا يزالون يهاجمون الغزالى بحجة أنه ضد العقل والعقلانية إنما يستندون على بعض ماورد فى كتابه الشهير «إحياء علوم الدين» !!والطريف أن هذا الكتاب لم يوجهه الغزالى إلى خاصة القوم بل إلى عامة الناس ليحيى لهم عقيدتهم. ومع ذلك فكم كان رائعا أن يبدأ الغزالى هذا الكتاب الشهير بالحديث عن فضل العلم والتعليم فى حياة البشر مستدلا بكم هائل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

وقس على ذلك كل ماورد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحث الناس على العلم والتعلم والسعى إليه فى كل مكان على أرض الله الواسعة. وقد تصور البعض خطأ أن المقصود من تلك الآيات والأحاديث ومن كلام الإمام الغزالى هنا علماء الدين فقط، لكن الحقيقة غير ذلك فالمعنى هنا واسع ليشمل كل أصناف العلم وكل تخصصات العلماء.

وكم كان رائعا من الغزالى أن يتحدث بعد ذلك وقبل أن يخوض فى القضايا الدينية والعقدية عن العقل وشرف مكانته قائلا « العقل منبع العلم ومطلعه وأساسه، والعلم يجرى منه مجرى الثمرة من الشجرة والنور من الشمس والرؤية من العين، فكيف لايشرف وهو وسيلة السعادة فى الدنيا والآخرة ؟!». وكم أحصى الغزالى من الآيات والأحاديث مايؤكد مكانة العقل.

تلك باختصار شديد بعض كلمات واستشهادات الغزالى من القرآن والسنة على مكانة العلم والعقل عند الله وفى الدين الإسلامى فكيف يخالف هو ذلك فى أي مما كتب أوقال !! لقد كان الامام الغزالى من فلاسفة الإسلام المعتدلين الذين عرفوا للعقل وللحجاج العقلى مكانته وعرفوا للعلم والعلماء أيا ماكانت تخصصاتهم مكانتهم السامية عند الله. وليس معنى أنه هاجم بعض فلاسفة الإسلام فى بعض أقوالهم التى خالفت بعض أسس العقيدة من وجهة نظره أنه تسبب بذلك فى الجمود والتخلف لأن العكس هو الصحيح ؛ فلولا كتابات الغزالى وموقفه المعتدل الداعى إلى استخدام المنطق والحجاج العقلى فى الدعوة وفى الفقه وعلم الأصول ماكان للفلسفة والفلاسفة وجود فى عصره ولابعده وخاصة أن حملة غلاة الفقهاء ضد الفلسفة والمنطق كانت فى أوجها حيث كانت هذه الحملات كفيلة بوقف الترجمة من اليونانية إلى العربية وبتوقف الفلاسفة عن التفلسف !!

 ومن جانب آخر فلولا كتابات الغزالى النقدية ضد الفلاسفة فى المشرق ماكان ابن رشد قد كتب فى المغرب العربى كتاباته الفلسفية شديدة العقلانية والنقدية وعلى رأسها كتابه الذى وجهه لنقد الغزالى مباشرة « تهافت تهافت الفلاسفة «. إن الروح الفلسفية العقلية فى كتابات الغزالى سواء الفقهية أوالأصولية واضحة للعيان وإلا ماكان هو القائل: « أن العقل أس الشرع ومالم يكن أسًا لم يكن بناء « وماكان هو القائل « من لم يشك لم ينظر ومالم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر لم ينظر ومن لم ينظر بقى فى العمى والضلال «. وياليتنا فى عصرنا الحالى نأخذ من هذه العبارات الغزالية نقطة بدء لما نسميه تجديد الخطاب الدينى ؛ فمن العقل والعقل وحده يبدأ التجديد.. أى تجديد.