رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

اللغز المقصود هو ذاك الصعود الصاروخى فى زمن قصير جداً. منذ القرن الثامن الميلادى وحتى القرن الحادى عشر تقريباً كانت الحضارة الإسلامية هى الأهم على الإطلاق على الكوكب. لا يتعلق الأمرُ فقط بالتوسع الإمبراطورى من شواطئ الأطلنطى إلى حدود الهند والصين، وإنما أيضاً بالمُنجز الإنسانى والعلمى. العصور الوسطى لم تكن مظلمة على الدنيا بأسرها. أظلمت أوروبا فيما ازدهرت بلاد الإسلام. فى فترة معينة، كانت البقعة المنيرة الوحيدة فى أوروبا هى الأندلس، وكانت أيضاً بلداً مسلماً!

     اللغز هنا يتعلق بهذا النزوع العجيب إلى العلم والفلسفة لدى المسلمين. تعلمنا فى مناهج التعليم أن الخلفاء العباسيين أخذوا على عاتقهم مشروع ترجمة أعمال اليونان. فى القرن التاسع أنشأ الخليفة المأمون «بيت الحكمة»، الذى كان أول معهد علمى حديث فى العالم. كان يُدفَع للمترجمين (وأغلبهم من المسيحيين النساطرة) 500 دينار ذهبى شهرياً. يكافئ هذا نحو 24 ألف دولار بأسعار اليوم. أترك لك إجراء الحسبة بالجنيه المصرى، وهى فوق الخيال!

     ما الذى دفع الخلفاء لتبنى هذا المشروع الضخم الذى استمر نحو قرنين؟ لبعض العلوم فائدة عملية بالتأكيد، مثل كتاب العناصر لإقليدس، أو كتاب المجسط فى الجغرافيا لبطليموس. هذه العلوم تُفيد فى صناعة العمران. فى تحسين كافة أوجه الحضارة المادية. ولكن فيمَ تُفيد فلسفة أرسطو عن الميتافيزيقا؟ ما فائدة جمهورية أفلاطون، أو روحانيات فيثاغورث، أو غيرها من الأعمال الفلسفية اليونانية؟. لماذا اهتم المسلمون بترجمة هذه الأعمال، ثم طفقوا يبنون عليها، ويضيفون إليها، حتى صار فلاسفتهم أهم شُراح أرسطو، وتعلم على يديهم فلاسفة الغرب فى العصور الوسطى المتأخرة؟

     ليست هناك فائدة عملية واضحة من الفلسفة. على أن الاهتمام بها، والافتتان بما تفتحه أمام العقل من آفاق بلا حدود، هو سمة أغلب الحضارات فى زمن النهضة والفتوة والصعود. الفلسفة والعلم مشروعان متلازمان. ازدهارهما يحدث معاً، وانحدارهما -فى الغالب- يكون متزامناً.

فى ظرف أقل من قرنين من الزمان، انتقل العربُ من الجزيرة إلى العالم على اتساعه شرقاً وغرباً. توسط العالم الإسلامى العالم المأهول. بدا وكأنه جسر برى يربط آسيا بعالم البحر المتوسط وأفريقيا. صارت حواضره الزاهرة وكأنها بوتقة صهر ضخمة للأفكار وأساليب العيش والعقائد والفلسفات. أمام هذا التيار العالى من المعرفة والمعلومات الجديدة، وجد العقل العربى أن وجوده ذاته مرتبط بالانفتاح على الفكر. لا يُمكن لحضارة بهذا الاتساع أن تُحكم وتُدار من دون مزج بين الأفكار والفلسفات المختلفة. من دون علمٍ وفلسفة.

     فى عصر القوة الإسلامية، التهم المسلمون أعمال اليونان، التى كانت أُهملت فى أوروبا. سرعان ما تكون تُراث فلسفى إسلامى. الكندى ترجم وشرح. بعد قرنين، كان لدى ابن سينا الجرأة ليضيف ويجدد. اختلف مع أرسطو ذاته، ولم يجد حرجاً فى ذلك. الرازى فعل الشيء نفسه مع جالينوس، أسطورة الطب فى زمن الرومان. قال عنه بتواضع أنه أستاذ وبحر للعلم، ولكن هذا لا يمنع من انتقاده.

الفضول حيال الآخر يأتى من الشعور بالثقة والقوة. الانغلاق، غالباً، يكون محصلة لشعور بالخوف والضعف.

[email protected]