رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

غفوت  بضع دقائق، فى مقعدى امام التليفزيون،  وضغطت على كاتم الصوت فى الريموت كنترول ، انتظارا لبدء حلقة جديدة من مسلسل «الاختيار 2 « فور انتهاء الإعلانات . وما كدت أغفو، حتى رأيت فيما يرى النائم ، الرئيس السيسى  يخطب فى جموع غفيرة من الناس ، فى ميدان» عبد المنعم رياض «ويعلن بتصميم و حسم  قرار من رئيس الجمهورية:  

مادة 1 

يحظر بشكل نهائى، بث أية إعلانات، بكافة أنواعها وأشكالها  وأحجامها  ومصادرها ،فى المنصات الأرضية التليفزيونية والفضائية  الرسمية، أثناء إذاعة البرامج  والأحداث والمسلسلات والأفلام الوطنية . 

مادة 2  

تُكلف الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية « سنرجى» بالتنفيذ الحرفى لكل بنود مادة 1. 

مادة 3 

كل مخالفة لأحكام المادة 1يُعاقب مرتكبها ، بالسجن والغرامة ، والعزل من أداء مهام وظيفته . 

مادة 4 

ينشر هذا القرارفى الجريدة الرسمية ، ويكون له قوة القانون ، ويُعمل به، من تاريخ نشره . 

وما كاد الرئيس السيسى  ينهى خطابه ، حتى عمت الفرحة العارمة صفوف الجموع، واختلطت أصوات التصفيق، بصيحات الترحيب، وانطلقت  الزغاريد، وتصاعدت  والهتافات والدعوات الصالحات  لصاحب القرار، الذى يحررهم  أخيرًا من ضغوط  اجتماعية ونفسية عاتية، ويلبى لهم بعد طول رجاء وعناء ، مطلبا انسانيا وممكنًا التحقيق ، يستعيدون به أوقات مباهجهم القليلة  والبسيطة . 

وعلى أصوات الجموع الهادرة ، صحوت فجأة من غفوتى ،لأكتشف أن الصخب الذى أيقظنى ،  لم يكن حماس الجموع  المرحبة بالقرار الجمهورى ، بل هو ضجيج إعلانات  التليفزيون  المستمرة منذ نصف ساعة، والممتدة أكثر من وقت حلقة المسلسل ، والمخاتلة ،التى تخدع مشاهده ، بتمديد الفاصل الإعلانى ،ليكتشف بعد بثه  ،انتهاء الحلقة . ارتطمت يدى بزر التشغيل فى الريموت كنترول ، فداهمتنى  الإعلانات فجأة , وقفزت من عقالها ،أصوات التنطيط والرقص والطبل والصراخ ، والإلحاح المتكرر السمج ،التى لايكاد إعلان واحد يخلو منها . 

كيف يتوقع المسئولون ومن بيدهم الأمر ،أن تصل للمشاهد الرسائل الهامة التى تنطوى عليها  مسلسلات الاختيار 2 وهجمة مرتدة والقاهرة -كابول ، وتلك الطريقة الفظة والمتوحشة فى الإعلان تتحكم فى رأسه . تشوش قدرته على المتابعة، فتختلط أمامه أحداثها ،وأبطالها، وتتداخل أحداثها ، فلا هو شاهد الإعلان الذى كتم صوته ، ولا هو قادر على متابعة هادئة ومنظمة لأحداث المسلسل. أما المنصات الخاصة  ، التى تعد بمشاهدته دون إعلانات ، فهى غير متاحة للجميع ،لأنها باشتراك . 

لا مثيل لما يحدث فى تليفزيون الدولة ، بما يحدث فى  بقية دول العالم . فالدول تمتلك المنصات الفضائية  للدفاع عن مصالحها ، وأهدافها ، وتعميق وعى الجماهير، بالاحتياجات الحقيقية لمجتمعاتها ،والترويج للقيم الإيجابية التى تروم الوصول إليها . ولأجل  ذلك  يتم التفريق  بين تلك المنصات ، والمنصات التجارية التى تخصص للإعلانات ،ويتم الفصل بين الإعلان والإعلام ، فالأول هدفه التسويق والربح، والثانى هدفه الرسالة الاجتماعية والثقافية والسياسية ،والنشر بأفضل السبل لمحتواها ،ورفع مستوى الوعى لمتلقيها ،لصنع التجانس الممكن فى السلوك العام ، بوضع الفوارق الاجتماعية السائدة فى الحسبان . 

تفسرالهجمة المرتدة  لإعلانات رمضان هذا العام ، كثرة أعداد المسلسلات غير المالوفة ،لتصبح تلك الكثرة فى خدمة الإعلانات وليس العكس . 

من العار فى مجتمع تحفى أقدامه من أجل الانتاج ،أن يروج تليفزيون الدولة لثقافة الاستهلاك والاستهلاك السفيه . من العار ،هذه الهجمة الإعلانية  التى تفتقد للمسئولية ولا أقول الضمير ، و تتلاعب بمشاعر الناس ، وتخلق لهم احتياجات مصطنعة ، وتربط مشاعر الرضا والسعادة والاستقرار بالتملك والاستهلاك  السفيه ،ثم نريد بعد ذلك أن يتجاوز المجتمع  عيوبه! 

ويا سيادة الرئيس ، بحق هذا الشهر المفترج ، حول هذا الحلم البسيط إلى حقيقة ،وأصدر ذلك القرار الجمهورى ،أعانك الله .