رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

حين سمعت خبر رحيل مكرم محمد أحمد، تدفقت دموعى بحرقة، وتمددت الوجيعة فى قلبى، وانتابتنى غصة سكنت روحى  لا تريد أن تبرحها. فى مكالمتى معه قبل عدة أسابيع ، للاطمئنان عليه، بدا صوته واهنا، أشفقت عليه من تعب الاسترسال  فى الحديث، لكنه تحامل على نفسه ، محاولا استحضار التدفق فى الكلام الذى طالما عهدناه منه. حين أنهيت المكالمة ، متمنية له السلامة، شملنى حزن عميق، من أنهأ قد تكون المكالمة الآخيرة. فقد طالت فترة مرضه ، وربما غللها بعض عزوف عن الحياة ،بعد أن غابت عنها الحصافة، وتورات خلف أرجائها  ،البصيرة! 

الأسى من فقد» مكرم محمد أحمد «ليس  فقط لأنه من جيل أساتذة كبار، يرحل دون  أن يكون له بدائل ،بل أيضا لأنه يتربع فى  مكانة ، لم يكن ينافسه فيها أحد  ، كمثقف وكاتب مرموق ومهني من طراز رفيع. لكن الجراد ، الذى بات منتشرا فى كل مكان ، يلتهم ،الأخضر واليابس، ويسلبنا مسرات الحياة البسيطة والضنينة، لم يكن يدرك تلك المكانة. 

زحف هذا الجراد ليتعامل مع رجل فى مكانته وقامته وعمره ،معاملة الصغار، فى غيبة من الفطنة، وتجاهل لنداءات  الصالح العام، وحتى بافتقاد للحس الإنسانى السليم. ولا يهم هنا بطبيعة الحال ذكر، أى لفظ عن الأهلية والجدارة والكفاءة، فتلك أمور أمست، مع انتشار الجراد، من مرويات ألف ليلة وليلة! 

تلقى مكرم فى حياته المهنية والنقابية، الصدمات تلو الأخرى، وتحملها بقوة الجبال  وتصدى لها  بجسارة وكبرياء وثبات، ومات كما عاش، بشموخ وترفع. 

لعب مكرم فى تاريخ هذا البلد ، أدوارا مجيدة سوف يكشف عنها ذات يوم  القائمون على تفاصيلها. لكن أدواره المهنية والنقابية المعروفة، تضيء  بسطور من نور تاريخ ناصع فى مهنة الصحافة المصرية، والعمل النقابى، اللذين لم يكونا منفصلين وفقا لرؤيته الوطنية عن قضايا الشأن العام. وفى هذا السياق وظف كفاءته المهنية ،واتساع أفقه، وروحه المتصالحة دوما مع كل ما كان من شأنه توجها نحو مصلحة عامة ، لخدمة هذا الوطن الذى جاء منه، ووهب حياته للدفاع عن مصالحه. 

فى عهده  نقيبا، تبنى مكرم محمد أحمد تجربة رائدة فى مجال العمل النقابى ،بدعمه لإصدار مجلة «الصحفيون «التى صارت منبرا للحوار الخلاق بين أعضاء الجماعة الصحفية،. تعرض مكرم لمحاولة اغتيال، لكن ذلك لم يثنه،عن تبنى وقيادة قضية المراجعات الفكرية والفقهية للجماعات الدينية المتطرفة. وحذر من التحالفات بين قوى مدنية وجماعة الإخوان، وتنبأ بأنه يسهل للجماعة الاستيلاء على السلطة. 

وعلى امتداد نحو عقدين من رئاستها ، أعاد بناء دار الهلال كمؤسسة صحفية كبرى ،وباتت مجلة المصور فى عهده، منبرا للحوار الوطنى بين كل التيارات السياسية والفكرية والحزبية. وأصبح العمود اليومى «نقطة نور «الذى عكف على كتابته  فى الأهرام نحو 15 عاما ، مرجعا للفهم والمعرفة،  ومعيارا لمن يبحثون عن صواب الرؤية والتوجه. 

كان مكرم محمد أحمد واحدا من كتاب كبار ،ممن اقتربوا من دوائر صنع القرار فى الدولة المصرية، وكل من اقترب منه، كان يعلم علم اليقين، أنه استخدم تلك المساحة من التقارب، لحل مشاكل من يطلبون دعمه ومساندته، وتلبية  لنزوعه الدائم، للتواصل مع الآخرين. 

ومع أن  المجتمعات التى يغشاها الحول، وتغيب عن الوعى ، تخسر،حين تعجز عن إدراك قيمة وقامة رجال ، ساهموا فى نهضتها، وتصدوا بشجاعة حتى التعرض للموت ، دفاعا عن هويتها ووحدتها الوطنية، وتقدمها وحداثتها، فى مواجهة جماعات الإرهاب الجهادى، إلا أن المؤكد، أن مكرم محمد أحمد  سيبقى علما  من أعلام  هذا البلد، لما بذله من أجلها ومن أجل مواطنيها  من جهود سخية ومخلصة. ولا يهم أن يكون واجب الاهتمام بمثله غائبا بعد ذلك عمن لايعرفون!