رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

اليقظة هي اللحظة التي وصل إليها بوذا إلى الحقيقة بعد 49 يوماً كاملة قضاها في التأمل تحت شجرة في منطقة «بوداجايا» شمال الهند. إنها لحظة التبصر أو التنوير. لذا يُقال عن بوذا إنه الرجل الذي استيقظ أو المتنور. أقرب وصفٍ لها ما ورد في الذكر الحكيم: «لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرُك اليومً حديد». والآية الكريمة -في بعض التفسيرات على الأقل- تصف حالة الرسول )ص( بعد أن كُشف عنه غطاء الجاهلية، وأبصر نور الإيمان.

ما الغفلة التي كان فيها بوذا؟ وكيف استيقظ؟ أما غلفته فلم تكن سوى عدم إدراكه لحقائق الحياة. وُلد بوذا أميراً محاطاً بكل أسباب النعيم. خرج لأول مرة إلى الشارع وعمره 29 عاماً.

صادف، ولأول مرة، مشاهد لم يعتدها: رجلاً مريضاً، وشيخاً مسناً، وجسداً ميتاً. أدرك أن «الحالة الإنسانية» نفسها عابرة، لا يدوم شيءٌ فيها. خاض رحلة مُضنية وشجاعة من أجل الوصول إلى الحقيقة.. حقيقة الوجود ذاته.

خرج بحقائق أربع: الحياة معاناة كلها. أصل المعاناة هو الرغبة. التخلص من المعاناة ممكن. الطريق إلى ذلك يمر عبر ثمان محطات تتضمن مزيجاً من التأمل، والأخلاقيات.

ما الذي كان يقصده بأن الحياة كلها معاناة؟ لا يبدو هذا كشفاً كبيراً، أو سراً خافياً. جميعنا يعرف أن الحياة مليئة بأسباب المعاناة، وألوان الألم. الشاعر يقول: «تعبٌ كلها الحياةُ فما .. أعجب إلا من راغب في ازديادِ». الحقيقة أن ما كان يرمي إليه أعمق من ذلك. هو يرى أن المعاناة شيء مُضفر في نسيج الحياة ذاتها. الحالة الإنسانية ذاتها مصنوعة من المعاناة والشقاء إن شئتَ الدقة!

نحن لا ندرك هذا ونحن نعيش مواقف الحياة المختلفة، فرحاً وغماً. بوذا يقول لنا أن الفرح والغم لا معنى له، لأن هذا وذاك ليسا سوى حالة عابرة لا تلبث أن تزول. السعادة في وجهها الحقيقي هي نوعٌ من الشقاء المستتر لأنها تأتي ممزوجة بخوفٍ من زوالها، أو بطمع في المزيد منها. إذن الحالة المثالية من الرضا الكامل ليست ممكنة. هناك فقط درجات مختلفة من المعاناة.

نفس المعنى هو ما عبر عنه الشاعر العربي: «حاجة من عاش لا تنقضي»!

ما يدعونا إليه بوذا هو أن نُدرك هذه الحالة. أن نُسلم بأننا نعيش معاناةً أبدية. أن نقلل معاناتنا بالتخلي عن تعلقنا بالأشياء الزائلة، وأيضاً بالأشخاص )لأنهم زائلون (. اللحظة التي تنطفئ فيها الرغبة في كل شيء هي لحظة الاستيقاظ.

هل هذا برنامج عملي؟ هناك ربع مليار إنسان يعيشون بهديه اليوم. البوذية كانت أول دين انتشر عالمياً. على أنني أفضل أن آخذ منه فكرة واحدة كبيرة وملهمة: الحياة مصنوعةٌ من المعاناة!