رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

يحفل تاريخ الفلسفة بجملة من الأفكار المناقضة للتفكير البدهى. أفكار تكسر المعتاد والمألوف، بل تتحدى رؤيتنا للواقع نفسه. هذه الأفكار بالذات هى ما تمنح الفلسفة مكانتها كأسلوب فريد فى رؤية العالم. من هذه الأفكار تصور عجيب، تواتر فى العديد من الفلسفات والعقائد من الشرق والغرب على حدٍ سواء. إنه التصور الخاص بكسر الأوهام التى تشوش على تفكيرنا فى الدنيا. هذه الأوهام مصدرها الأساسى أننا نترك أنفسنا لعوارض الحياة، من أفراح وأتراح، فتصير الأحداث الخارجية هى المحدد لشعورنا بالسعادة من عدمه.

لقد خلص بوذا (عاش فى القرن الخامس قبل الميلاد) إلى أن شعور المرء بذاته هو نوع من الوهم، وضرب من الخداع الذى يعانى منه البشر. وأن الإنسان يتحرر، فقط، حينما يتخلص من هذا الشعور بذاته. أى عندما يتخلص من أى رغبة فى أى شىء. ذلك أن الحياة، فى نظر بوذا، هى نوع من المعاناة والألم. وأن الرغبة والتعلق بالأشياء هما أصل هذه المعاناة. ويرى بوذا أن التخلص من الرغبة أمر ممكن بالتأمل العميق. وعند لحظة معينة يصل الإنسان للتنوير ويكتشف أنه قطرة فى محيط. كاملة بذاتها، وجزء من الكل فى الوقت نفسه.

 هذا تفكير يناقض تصورنا البدهى عن الحياة. بل هو يناقض الطريقة التى نعيش بها جميعاً، متعلقين بالأشياء لاهثين وراءها، مرتبطين بالأشخاص معلقين سعادتنا على وجودهم إلى جوارنا.

إليك فكرة أخرى عجيبة من واحد من فلاسفة المدرسة الرواقية (ازدهرت حول العام 300 ق.م). اسمه «ابكتيتيوس»، وعاش فى القرن الأول قبل الميلاد فى روما، وكان عبداً. فهو كان يرى أن الحرية والعبودية هى حالة عقلية فى الأساس. قد يكون المرء عبداً، كما كان هو، ولكنه حر لأن عقله قرر ذلك. وقد يكون المرء حراً، كما نظن نحن فى أنفسنا، ولكنه فى حقيقة الأمر عبد خاضع لآخرين يتحكمون فى مصيره، أو لأشياء يرغبها ترسم له مساره وما يفعله بحياته.

الحرية الحقيقية هى شىء يمكن لأى إنسان الحصول عليه. ووصفة «ابيكتيتوس» سهلة للغاية: أولاً عليك التمييز بين الأشياء التى تستطيع التحكم فيها، وتلك التى لا تستطيع لها دفعاً. عليك، ثانياً، أن تتقبل تلك الأشياء التى لا تستطيع التحكم فيها. هذا التقبل هو سر الحرية التى يمكن أن ينعم بها الإنسان حتى لو كان فى محبسه.

إن جوهر البوذية والرواقية واحد: كسر الوهم بشأن الحياة، ورؤيتها على حقيقتها. معاناة مستمرة ومكابدة لا تنتهى. ونحن لا نستطيع التحكم فى هذه الطبيعة. ولكن ما نستطيع التحكم فيه هو رؤيتنا، عقلنا، حالتنا المزاجية والعقلية. الوصول إلى التحكم فى عقولنا، وفى طريقة استقبالنا للأحداث التى تقع حولنا، هو الطريق الحقيقى إلى السعادة.

[email protected]