رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

هل لدى سقراط، الذى عاش فى القرن الخامس قبل الميلاد، ما يقوله لنا اليوم؟ هل فى أفكاره ما يصلح لحياتنا المعاصرة؟ بالتأكيد. بل إنه، ربما، من أكثر القدماء الذين يجيبون على مُشكلاتٍ معاصرة.

العجيب أنه لم يبشر بفلسفة بعينها. لم يطرح برنامجاً متكاملاً للعيش «كالبوذية أو الكونفوشية مثلاً». لم يُقدم تصوراً متكاملاً عن العالم «كأرسطو مثلاً». كما أنه لم يكتب حرفاً واحداً. كان يرى أن الكتابة شيءٌ خطيرٌ. لأن الكلمات متى صارت نصاً اكتسبت قوة تلقائية بصحتها. أيضاً الكتابة تجعل المؤلف يُخاطب أناساً لا يعرفهم. وهو يُفضل أن يحاور الناس. لا يريد أن يترك كلامه من دون دفاعٍ أو شرح، كما يحدث مع النصوص المكتوبة التى يتفاعل معها المتلقى فى غياب المؤلفَ!

لماذا سقراط مهم إذن؟ لأنه بشر بفكرة بسيطة جداً؛ وهى ضرورة أن نفكر بأنفسنا. فى الظاهر، تبدو الفكرة أمراً مسلماً به وبدهياً. فى الواقع، هى ليست كذلك.

الناس لا تحب أن تفكر بنفسها. كان هذا صحيحاً فى زمن سقراط، وهو صحيحٌ إلى اليوم. التفكير يعنى الاختيار بين بدائل، لأن الأفكار متعددة، وكثيراً ما تناقض بعضها بعضاً. حرية الاختيار تُفضى إلى الحيرة، وهى حالة مضنية. نحن، بنى البشر، نُفضل أن يُقال لنا ما يجب علينا فعله. نرغب فى أن نتبع فكرةً أو منهجاً مضموناً. وكيف نعرف ذلك؟ إذا تبنى عددٌ كبيرٌ من الناس فكرةً معينة، أو اعتنقوا رأياً أو مذهباً، فلابد أنه صحيح. وإلا فكيف حاز كل هذا القبول؟ إنه نفس المبدأ الذى يدفعنا إلى شراء سلع تحمل ماركات معينة.

لو أنك فتشت فى داخل دماغك، لوجدتَ أن الغالبية الكاسحة من الأفكار القابعة فيه ليست لك. من هنا نفهم خطورة وثورية ما يطلب منا سقراط فعله. هو قال: «إن حياة لا تقوم على التفكير والبحث، لا تستحق أن تعاش». بالنسبة إليه، التفكير هو الفضيلة العظمى، بل هو غاية الحياة ذاتها.

لهذا يُقال إن سقراط فيلسوف راديكالى. هو قلب نظام الأشياء. فلسفته، كما وصلتنا، جاءت فى صورة حوارات مع تلاميذه. الحوار يفترض أخذا ورداً. يترك لنا نحن القراء مساحةً لنكون آراءنا الخاصة. الغرض هو أن نفكر بأنفسنا أيضاً.

إعدام سقراط فى 399 ق.م كان الحدث الأهم فى تاريخ الفلسفة الغربية. هو اتُهِم بإفساد الشباب، والدعوة لآلهة أخرى. بمعنى ما، كانت التهمتان صحيحتين. هو بالفعل بشّر بآلهةٍ أخرى هى العقل. هو أيضاً «أفسد» الشباب -فى نظر المجتمع- لأنه حرضهم على التفكير المستقل!

فى زمن العصف المعلوماتى المستمر الذى يتدفق على أدمغتنا، من الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعى، نحتاج دوماً أن نتذكر فكرة سقراط الكبرى. أن نفحص الأشياء ونفكر بأنفسنا ونختار، ولا نترك الآخرين يختارون لنا ما يُوضع فى أدمغتنا. كانت هذه الفكرة من القدسية بالنسبة له إلى حد أنه اختار الموت من أجلها، مفضلاً الاحتفاظ بحرية عقله وتفكيره المستقل.. على الحياة ذاتها.

[email protected]