رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

أنت، فى الغالب، تقيم نفسك بأكثر مما تستحق! لا تندهش.. فهذا حالنا جميعاً. نحن نرى أننا أذكى وأكثر معرفة، بل أظرف وألطف معشراً، مما نحن عليه فى الواقع فعلاً. فهذا ما يطلق عليه أثر «داننج وكروجر» نسبة إلى عالمى النفس اللذين سجلا هذه الظاهرة الفريدة فى التسعينيات. هما توصلا إلى خلاصة أخطر: تقييم البشر لأنفسهم يتناسب طردياً مع جهلهم وقلة معرفتهم!.

تضاؤل معرفة المرء ومحدودية خبراته يترجمان- ولغرابة الأمر!- فى مزيد من شعوره بالثقة فى ذاته وفى إمكاناته وقدراته. وقد كتب العالم الإنجليزى الأشهر تشارلس داروين ذات مرة إن «الجهل، على الأغلب، يجلب الثقة، وبأكثر مما تفعل المعرفة». فما السبب وراء هذه الظاهرة العجيبة؟

العلة بسيطة. الجهل وقلة الخبرة يفرزان عالماً محدوداً وبسيطاً. يجعلان المرء بالضرورة غير مدرك لمقدار ما لا يعلمه عن مجال بعينه، وعن العالم على اتساعه. يتصور الجاهل بالشىء أنه سبر غوره، وأحاط بأبعاده. والأخطر أنه يظن- خطأً- أن لا سبيل للاستزادة من المعرفة، إذ ما حاجته لهذه الاستزادة وهو بالفعل عالم خبير؟ ومحصلة ذلك هى شعور مضخم بالثقة فى الذات، وفى المعارف والخبرات.

على العكس، فإن من يحصل قدراً معقولاً من المعرفة والخبر بمجال معين، يصير على علم بمقدار ما لا يعمله عنه. وبالتالى يلازمه شعور بانعدام الثقة والشك فى قدراته!

الفيلسوف البريطانى «براتند راسل» عبر عن هذه المعضلة بقوله إن «المعضلة الحقيقية فى عالم اليوم أن الأغبياء مفعمون بالثقة فى أنفسهم، فيما الأذكياء تملؤهم الشكوك»!

ومثل ذلك ما ذهب إليه المتنبى: «ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله... وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم!»

وقد حدث أن أخبر رجل فيلسوف اليونان الأشهر سقراط بأن عرافة «دلفى» تقول إنه- أى سقراط- هو الأكثر حكمة ومعرفة فى أثينا. انزعج سقراط لهذا القول، إذ لم يرَ له سنداً يبرره. وما كان منه إلا أن انطلق، كعادته، فى الأسواق باحثاً عمن هو أكثر حكمةً ومعرفة. وكان يستوقف كبار الساسة والحكماء طارحاً عليهم مختلف المعضلات. وشيئاً فشيئاً أدرك سقراط مقصد عرافة «دلفى». إن جميع من حاورهم لا يعرفون سوى القليل، غير أنهم يتصورون فى نفسهم الحكمة والإحاطة بالأشياء. إنهم ممتلئون بـ«ثقة الجهلاء».  أما هو  فعلى الأقل يعرف أنه لا يعرف.. ولهذا السبب وحده فهو الأكثر حكمة ومعرفةً!

 

[email protected]