رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

السفسطة ليست كلمة معيبة. نحن نستخدمها اليوم فى سياق سلبى يُشير إلى الجدال من غير طائل أو الجدال العبثي. ولكن هذا لا يعكس أصل الكلمة بدقة. الأصل يعود إلى بلاد اليونان فى عصرها الذهبي؛ القرن الخامس قبل الميلاد. انتعشت مدارس الفكر والفلسفة فى هذا الزمن تحت الظلال الوارفة للديمقراطية الأثينية. كانت تلك تجربة فريدة فى التاريخ الإنساني. اختفت الديمقراطية ولم تظهر سوى بعد هذا التاريخ بألفى سنة.

السفسطائيون كانوا معلمين للفلسفة، ولفن الجدل والخطابة. كانوا يجوبون البلاد، ويُعطون دروسهم لطالبيها بالأجر. لم يكن لديهم فِكر فلسفى محدد، بل انطلقوا من نسبية الأشياء جميعاً. هم قادرون على إقناعك بالحجة ونقيضها فى آن. منهجهم أن لا حقيقة مطلقة، وأن كل شيء قابلٌ للجدل. أشهرهم كان «بروتاجوراس» الذى قال إن «الإنسان هو معيار كل شيء». وهى فكرة خطيرة تُشير إلى أن أى قيمة وأى حقيقة هى صحيحة فقط بالنسبة لمن يؤمن بها، أو يتبناها. معنى ذلك أن لا قيم مطلقة، ولا حقائق ثابتة!

      يُمكن القول إن المعلم السفسطائى يُشبه المحامى الشاطر القادر على الدفاع عن أى قضية. لا يهم إن كان موكله على حقٍ أو كان مخطئاً. الصنعة تكمن فى قوة الدفاع، وتماسك الحجة.

      لهذا السبب تحديداً نشط السفسطائيون فى أثينا. وفرت لهم الديمقراطية الأثينية «زبائن» كثر. فى النظام الديمقراطى لا وجود لملك يُحدد الصواب من الخطأ، كما الحال فى الامبراطوريات والملكيات. الأمر كله سجال. كل قرار وكل مسألة يتوقف على قوة الحجة والإقناع. الديمقراطية تقوم فى الأساس على إقناع عدد كافٍ من الناس بوجهة نظر معينة. فى القلب من الديمقراطية اقتناع بأن الحقائق المطلقة لا مكان لها فى تسيير النشاط البشري، حيث كل شيء نسبي.

أقبل الطامحون لمُستقبل سياسى على السفسطائيين يتعلمون منهم فنون الجدل ومقارعة الحجة بالحجة. ولكن كان هناك من يرفضهم رفضاً مطلقاً، بل ويراهم مخربين وخطرين. أشهر فلاسفة اليونان، سقراط وأفلاطون، أقاموا بنيانهم الفكرى ومشروعهم الفلسفى كرد على السفسطة والسفسطائيين.

لو سلمنا بأنه لا وجود لحقائق مطلقة، فكيف نُميز الصواب من الخطأ؟ هل هذا يعنى أن السرقة، مثلاً، يمكن أن تكون شيئاً سيئاً بالنسبة لشخص، وأمراً مستحسنا بالنسبة لآخر؟ هل يُمكن أن نقول مثلاً أن الظلم أمرٌ جيد؟.. هكذا جادل سقراط وتلميذه.

فى محاورات أفلاطون، نصادف ردوداً مختلفة لأستاذه سقراط على السفسطائيين. فلسفة سقراط وأفلاطون جوهرها هو وجود حقائق مطلقة، مستقلة عن الرأى السائد فى المجتمع، وعن نظرة كل إنسان ورأيه. هناك قيم اسمها الحق والخير والجمال والعدالة. على هذا الأساس بنى أفلاطون فكره كله. التيار الذى يمثله ما زال نشطاً إلى اليوم تحت مُسمى «المثالية». فى مواجهته تيار فكرى كبير آخر يؤمن بنسبية الأشياء والقيم والأفكار والعادات. الأصل البعيد لهؤلاء الأخيرين يعود للسفسطائيين.

السفسطة ليست كلمة معيبة، ولكنها فكرة خطيرة تدعو للتأمل. فما رأيك؟

    ‏[email protected]