عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

خشيته، زهده، كرمه. شجاعته وغيرها من مكارم الأخلاق المتأصلة فى عميق نفسه، فتعجز الكلمات عن سرد جانبٍ واحد من جوانب عظمته، فالحديث عن سير العظماء حديثٌ ملهمٌ جذاب يأخذك بعيدًا إلى زمن برز فيه وبقوة السمو الإنسانى الجليل مترفعًا عن أى صراعات مادية طينية رخيصة.

ولا يسع المقام هنا إلى ذكر كافة تفاصيل فضله على أمة محمد صلوات ربى وسلامه عليه، ولكنى سأكتفى فقط بذكر باب واحد من فصول حياته المضيئة بفيض من نور يشع بضيائه على أمة المسلمين جمعاء.

وهو بابٌ تميز به عن باقى أصحاب الرسول وتفرد فيه عن كل أحباب الرسول، فلم ولن يسبقه له أحد من العالمين، وهو باب المحبة الخالصة.

آه.. إنها المحبة.. وما أدراكم ما المحبة؟ خاصة إن كانت خالصة، دائمة، صادقة، متدفقة بلا غرض، فمن حظى بها وكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، فهنيئًا لمن خصه الله برفيق مخلص، حقيقى وصادق فى صحبته.

أحدثكم يا سادة عن أول الخلفاء الراشدين، أول من أسلم من الرجال، أحد العشرة المبشرين بالجنة، خير الناس بعد الأنبياء والرسل، أكثر الصحابة إيمانًا وزهدًا وشجاعة، إنه أبو بكر الصديق.

وإن تحدثنا عن فضل المحبة فى حياة الصديق فلن تكفينا السطور، فكان محبًا خالصًا لرسول الله، سرت محبة الرسول فى جسده فكانت كالهواء الذى ملأ رئتاه وكالدم الذى تدفق فى شرايينه محبة خالدة يندر وجودها فى الوجود البشرى كله وتصف وبكل رفعة النبل الإنسانى فى أعلى مراتبه.

فكان يُصدقه أن تحدث فيقول للرسول بلا تردد «صَدَقت» «صَدَقت»، يفرح حد البكاء لصحبته، أن أصابه العطش هو وحبيبه يهرع إليه لكى يرتوى قبله ويقول شرب الرسول حتى رضيت، أى إيثار هذا؟ يقطع أجزاءً من ثوبه ليسد ثغرات الغار خوفاً على حبيبه أن يمسه السوء، يسير أمامه تارة وخلفه تارة أخرى ليحميه ويصد عنه، أنفق كل ماله فى سبيل دعوته.

 وأكثر المشاهد التى تأسر قلبى وتبرز لنا تلك القصة الخالدة من المحبة الخالصة هو موقف عصيب ومشهد حزين تقشعر له الأبدان، ففى يوم من الأيام اتجه الِصدّيقُ نَحْوَ بيتِ الله، لِيَطَّوَّفَ بالبيت العتيق، وَمَا أن بَدَتْ له الكعبةُ وإذا به يَرى تجمعًا واعتراكًا، أَسْرَعَتْ خُطُواتِه نَحْوَ المكانِ، وإذا هو يُفَجع بعصابة من عبدة الأحجار، يُحيطون بالنبى- صلى الله عليه وسلم-، ثم وجد أحدهم وقد وضَعَ ثَوبَهُ على عُنُقِ النبى وهُو يُصلى، وَجَعَلَ يَخْنُقُه بِهِ خَنْقًا شديدًا، والنَّاس تَصِيْحُ مِنْ حولِه صياحًا مريرًا.

لم يَتَحَمَّلْ الصدِّيْقُ وهو يَرَى حبيبَهُ وروح فؤاده يُفعل به هذا فتقدم الصدِّيْقُ مسرعًا، وهو يَصيحُ فيهم ويقول (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أن يَقُولَ رَبِّى اللَّهُ)، ثم انطلقَ إلى من تجرأ على النبى فأخذ منكبَهُ، وجرَّه وأبعده عن رسول الله، فهَاجَ المشركون فضربُوه فى نواحى المسجد ضربًا شديدًا فأوجعوه وأسقطوه، حتى صار لا يُعرفُ وجه أبى بكر من أنفه، لكثرة الدم، وقد سقط مغشيًّا عليه.

وطارَ الخبَرُ إلى قبيلةِ أبى بكر، فهرولوا لأبى بكر وخلصوه من بين أيديهم وحملوه حتى أدخلوهُ مَنْزِلَهُ لتُمرضه أمه، وهم لا يَشُكُّونَ فى موتِه، ثم رجعوا إليه أخرى يسألونه عن حاله حتى أجاب بصعوبة.

فماذا قال الصديق، وعن أى شيءٍ سأل؟ ستندهشون!

قال: ما فعل رسول الله؟ نسى نفسَه، ولم يتذكرْ إلا حبيبَه نسى ألمه ولم يتذكر إلا رسول الله، أى إيثار هذا؟ أى محبة هذه؟ 

فقال أبو بكر: «ولله لا أذوق طعامًا أو شرابًا حتى آتى رسول الله وأصر ألا يأكل إلا بعد أن يذهب لرسول الله ليُطمئن قلبه عليه قبل أن تهدأ آلامه، فآلام القلب ووجعه على ما ذاقه حبيبه أشد بكثير من آلام جسده.

حَسْبُكَ بهِ فَخْرًا أنه ثَانى اثْنين فى الغار.. وقف له تعظيمًا وتبجيلًا أنه خليل رسول الله.

[email protected]