رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

لحظة فلسفة

تلك هى المعضلة الأهم، على الإطلاق، فى السياسة، بل قل هى المعضلة الأخطر التى تواجهنا فى حياتنا، ويمكن طرحها على النحو التالى: هل يسمح للمرء بأن يخرق قاعدة أخلاقية أساسية لكى يتجنب شراً أكبر، باختيار «الشر الأهون»؟ بعبارة أخرى: هل يجوز للمرء أن يعمل شراً، لكى يجلب خيراً؟ هل يجوز أن «نلطخ أيدينا» بإثمٍ بهدف تجنب أثمٍ أكبر؟

مواقف كثيرة تصادفنا عبر رحلة الحياة لا نختار فيها بين الخير والشر، بل بين شرين. وقد روى عن عمرو بن العاص قوله: «ليس العاقل الذى يعرف الخير من الشر، بل الذى يعرف خير الشرين»! ولو كان الأمر رهناً بالاختيار بين الخير والشر لهان، ولكن الحياة ليست بهذه البساطة!

تأمل هذه الحالة: معلومة عن قنبلة موقوتة ستنفجر فى ميدان عام بقلب مدينة كبرى، وثمة مشتبه به يحتمل أنه يعرف مكان القنبلة، ولكنه يرفض الإدلاء بمعلومات. فهل من الأخلاقى تعريضه للتعذيب؟ التعذيب جريمة أخلاقية من دون شك. ولكن، فى هذه الحالة الملتبسة، قد ينقذ تعذيب فردٍ واحد مئات الأرواح. تلك هى نوعية القضايا الأخلاقية الصعبة التى تتولد عن معضلة «الأيدى القذرة».  

المعضلة هذه كثيراً ما تداهمنا فى حياتنا اليومية بصورٍ مختلفة، حيث نجد أنفسنا مضطرين لخرق قواعد أخلاقية من أجل تجنب شرور. حتى لو كنا أخياراً وأخلاقيين، فإن التعامل مع الشر فى الحياة يقتضى منا-أحياناً- ممارسة بعض الشر عندما لا يكون من ذلك بد.

 على أن المعضلة تظهر بصورة أشد وأكثر تكراراً فى عالم السياسية. السياسى، بالتعريف، يدافع عن مصالح بشرٍ كثيرين، ويتولى المسئولية عن حمايتهم من الأخطار. السياسة تنطوى، فى جوهرها، على مفاضلة بين بدائل وتوزيع الموارد، بالمنح والمنع. ويعنى ذلك أن السياسى قد يجد نفسه مضطراً للإضرار بالبعض (وهذا شر)، من أجل مصلحة أعداد أكبر (وهذا خير). وفى كل يوم تقريباً يرتكب السياسى الخير والشر معاً!

ربما كان مكيافيلى أول من عبّر عن هذه المعضلة بوضوح فى كتاب «الأمير».  فهو رأى أن السياسة مجال خاص، ولا يجوز أن نحاسب السياسى بذات المعيار الأخلاقى الذى نضعه للبشر. ذلك أن السياسة تتعلق بمصالح الدولة، وبحياة ورفاهة أعداد كبيرة من البشر. وخطورة هذا المنطق لا تخفى، إذ ثمة مجال لاستغلال هذه «الرخصة» من قبل سياسيين منعدمى الضمير لتبرير أفعال منعدمة الأخلاق تحت حجة «أهون الشرين». فأين نضع الخط الفاصل إذن؟ وهل نمنح السياسى «شيكاً على بياض» لارتكاب الفظائع بذريعة أن السياسة تحتاج إلى «الأيدى القذرة»؟ ألا يبرر هذه أفظع الفظائع، وأبشع الشرور؟

ثم.. ألا يجرئ ارتكاب «شرور صغيرة» على ارتكاب كبائر الشرور؟ إن تسامحت فى تعذيب شخص لإنقاذ المئات أو الآلاف، فهل تقبل بتعذيب «ابنه».. وهو بالتأكيد بلا ذنب؟ هل تقبل بتعذيب أعداد أكبر؟ هذه كلها معضلات تتعلق بالحياة العملية وبأسئلة السياسة كما تطرح نفسها على من يمارسونها فى الواقع. فى كتاب الأخلاق والدين، الشر هو الشر، كبر أم صغر. وهو مدان ومرفوض على طول الخط. وفى كتاب الحياة والسياسة.. الأمر أكثر تعقيداً؛ لذلك قيل إنه يجدر بالسياسى أن يكون ذا أخلاق، فلا يفسد أو يرتشى أو يقبل الظلم، ولكن يجدر به كذلك ألا يكون أخلاقياً أكثر من اللازم، وأن يقبل بأن تتسخ «يداه» قليلاً، جلباً لخير أو دفعاً لضرر!

[email protected]