رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نحو المستقبل

كلنا يلاحظ بلا شك أننا نعيش زمناً انحطت فيه القيم الأخلاقية السامية لدرجة يمكن معها القول إننا نعيش فوضى أخلاقية عارمة؛ إذ انتشرت الأنانية والشللية وتغلبت فى سلوكياتنا المصلحة الذاتية على المصلحة العامة وأصبح كل منا لا يراعى فى سلوكه نتائج أفعاله على الآخرين ومدى ما يمكن أن يحدث لهم من أضرار نتيجة سلوكه الفردى النفعى الأنانى!! لقد أصبحنا مشغولين بسعادتنا الفردية وتحقيق أكبر قدر منها ولا يهمنا مصلحة أو سعادة الآخرين فى شىء! والسؤال الذى ينبغى أن يسأله كل منا لنفسه: كيف يعيد بناء سلوكه على قواعد أخلاقية ثابتة تعيد للإنسان منا كفرد فى مجتمع كرامته بحيث تتوافق المصالح والخيرات الذاتية مع المصالح والخيرات الجماعية. وهنا يجيبنا أمانويل كانط كواحد من أعظم فلاسفة الأخلاق على مر التاريخ الإنسانى فى كتابه الشهير «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق»- الذى قام بترجمته إلى العربية منذ ستين عاماً استاذنا الدكتور عبدالغفار مكاوى رحمه الله- قائلاً: «إن جميع المبادئ الأخلاقية التى يمكن للإنسان أن يسلم بها إما أن تكون مبادئ تجريبية (أى مبادئ من حياته الفردية المعاشة) أو مبادئ عقلية، والمبادئ الأولى المستمدة من مبدأ السعادة تبنى على العاطفة الفيزيائية أو العاطفة الأخلاقية، والمبادئ الثانية المستمدة من مبدأ الكمال، إما أن تبنى على التصور العقلى للكمال بوصفه نتيجة يمكن أن تترتب عليها أو على تصور كمال مستقل بذاته (أى على إرادة الله) بوصفه علة تتولى تعيين إرادتنا، وفى رأى كانط لا تصلح المبادئ التجريبية لأن تؤسس عليها القوانين الأخلاقية وذلك بالطبع لأن التجارب الذاتية المعاشة تجارب نسبية بنسبية ما يقيس به كل فرد منا سعادته الخاصة! وهذه السعادة– كما يقيسها كل منا تبعاً لمنفعته أو لذته الخاصة أو ما شابه– قد لا تتناسب مطلقاً مع حسن السلوك الذى يصلح لحياة الإنسان بما هو إنسان يعيش فى مجتمع يسعى إلى تحقيق الخير للجميع!

وعلى ذلك اعتبر كانط أننا بحاجة إلى مبادئ أو قواعد أخلاقية مبنية على العقل والعقل وحده سعياً لتحقيق الكمال الإنسانى الذى به يتحقق الخير للجميع. وقد اعتبر كانط أن رأس وأهم هذه القواعد الأخلاقية المطلقة المؤسسة للسلوك الأخلاقى القويم هى «إفعل الفعل بحيث يمكن لمسلمة سلوكك أن تصبح مبدأ تشريع عام» أو بعبارة أدق «بحيث تريد لها أن تصبح قانوناً عاماً لجميع الناس». وهنا حملنا كانط كأفراد عاقلين مسئولية الإصلاح الأخلاقى؛ فلو أعمل كل منا عقله فيما يفعل قبل أن يفعل وتساءل عن مدى خيرية فعله لما وجد خيراً من هذه القاعدة الأخلاقية لكى يسلك وفقاً لها ومن ثم فهو لن يفعل إلا وفقاً لما يصلح أن يكون هو سلوكاً عاماً لكل الناس فى أى زمان وأى مكان. وهذه القاعدة بالمناسبة هى الوجه الآخر للحديث النبوى الشريف «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به». وكم كان كانط عظيماً حينما عبّر عنها فى صيغة مبدأ آخر يقول فيه «افعل الفعل بحيث تعامل الإنسانية فى شخصك وفى شخص كل إنسان سواك باعتبارها دائماً وفى الوقت نفسه غاية فى ذاتها ولا تعاملها أبداً كما لو كانت مجرد وسيلة»، فهذا المبدأ الأخلاقى الثانى يعنى ببساطة ألا نتخذ الناس فى حياتنا الأخلاقية والاجتماعية مجرد وسائل نحقق من خلالها سعادتنا الفردية، بل ينبغى أن يكون سلوكنا معهم سلوكاً أخلاقياً راقياً إذ يجب أن نعاملهم جميعاً كبشر «كغايات فى ذاتها».

 والحقيقة أنه قد فات هؤلاء النقاد أن هذه القواعد الأخلاقية ليست مبادئ عقلية مجردة من العواطف بل على العكس ففى اعتقادى أنه بقدر ما فيها من تجريد وعمومية عقلية واضحة، بقدر ما فيها من مراعاة للعواطف الإنسانية السامية؛ فكونى أعامل كل البشر كما أحب أن يعاملونى به بطريقة فيها مراعاة لخيرى الخاص مع خيرهم ومراعاة لإنسانيتى مع إنسانيتهم، فهذه قمة الأخلاقية الإنسانية عقلًا وعاطفة معاً، إن بتر الفوضى الأخلاقية من أى مجتمع يبدأ من تغليب مصلحة المجموع على مصلحتى أو منفعتى الشخصية والإيمان القاطع بأن كرامتى الإنسانية تتحقق بقدر ما أكون حريصاً على مراعاة كرامة الجميع – جميع البشر أياً كان لونهم أو مكانتهم الاجتماعية. ويا ليتنا نتأسى بهذه المبادئ الأخلاقية الكانطية، فهى تتوافق كل التوافق مع مبادئ كل الأديان وتحقق الخيرية لجميع البشر دون استثناء.