رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نحو المستقبل

لا أدرى لماذا يقفز أمامى التمييز الأفلاطونى الشهير بين العالم السماوى المعقول والعالم الأرضى المحسوس حينما أفكر فيما ينقص بلدنا فى نهضته التنموية الشاملة التى يقودها باقتدار وبسرعة مذهلة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فما يجرى تنفيذه من مشروعات قومية فى كل مجالات الحياة شىء غير مسبوق وبسرعة لا يصدقها عقل. ومع ذلك نرى عدم الرضا على وجوه كثير من الناس ونراهم ينظرون بعين الدهشة مرة والريبة والشك مرة أخرى فى كل ما يجرى حولهم من إنجازات كما نجدهم دائمى الشكوى من سوء أوضاعهم وينتابهم شعور عام بعدم الرضا رغم استقرار أوضاع دولتهم وعلو شأنها يوماً بعد يوم فى ظل أوضاع عالمية قلقة وفى ظل معاناة العالم أجمع من شرور جائحة كورونا التى أثرت بالسلب على كل الدول غنيها وفقيرها وكاد معها الاقتصاد العالمى كله أن ينهار !!

وحينما أفكر فى سبب هذا الشعور الغريب عند كثير من المصريين لا أجد له تفسيراً موضوعياً إلا من هذا المنظور الأفلاطونى، فالتنمية فى بلدنا لا تبدأ إلا من علٍ والناس فى بلدنا لا يزالون – رغم كل الحهود – طبقتان: طبقة قليلة العدد شديدة الثراء يتمتع أبناؤها بالرخاء والشهرة والسلطة وطبقة من الموظفين والعمال والفلاحين لا يكادون يتمتعون بشىء مما سبق وكل همهم فى الحياة أن يوفروا لأنفسهم وأسرهم الحاجات الأساسية فى ظل تدنى مستواهم المادى وعدم قدرتهم على الحصول على أى قدر من الرفاه يمكنهم من الشعور بالرضى الحقيقى عن أوضاعهم !!

 لقد تشكلت فى بلدنا عبر السنوات السابقة ومنذ سبعينيات القرن الماضى طبقة من المنتفعين الذين يمكن أن نطلق عليهم «النخبة» هى خليط من أصحاب المناصب والنفوذ ومن رجال الأعمال والفنانين والمثقفين المتسلقين يتم تدويرهم كل فترة فى دولاب العمل الحكومى والبرلمانى، وهم قادرون دوماً وبحرص شديد على توسيع دائرتهم وضم المزيد إليهم ربما عبر الانتماءات العائلية أو عبر ما تفرضه الضرورة فى بعض الأحيان !!

إن هؤلاء أشبه بسكان العالم السماوى المعقول عند أفلاطون، أما الغالبية الغالبة من الناس فهم أشبه بظلال هذا العالم المعقول السماوى عند أفلاطون لا يكاد أحد يراهم ولا يكادون يحصلون على القدر الكافى من الضوء الذى يجعلهم يحاذون، ولو عن بعد، سكان العالم السماوى !!

إن التنمية فى بلدنا هى أشبه عند أفلاطون بالديالكتيك الهابط الذى يهبط بالفيلسوف من العالم المعقول السماوى إلى العالم الأرضى المحسوس - عالم الظلال، والحقيقة عند فيلسوفنا أن الديالكتيك الصاعد وليس الديالكتيك الهابط هو نقطة البداية، إذ ينبغى أن يبدأ أى تأمل نصل من خلاله إلى الحقيقة من العالم المحسوس مرتقين إلى العالم السماوى المعقول. ومعنى ذلك أن أى تغيير أو أى تنمية ينبغى أن تبدأ من أسفل إلى أعلى وليس العكس، فإن أردنا مثلاً تفعيل توسيع دائرة المشاركة السياسية فالمفروض أن نبدأها من توسيع الدائرة من أسفل من اجراء انتخابات المحليات وانتخابات مجالس اتحادات طلاب الفصول والمدارس والجامعات لنصل بعد ذلك إلى انتخابات النخبة؛ اتحاد طلاب المدارس والجامعات واتحاد طلاب مصر وانتخابات المجالس النيابية على المستوى القومى. وان أردنا توسيع مشاركة الشباب فى القيادة ينبغى أن تكون هذه هى القاعدة، أى أن نبدأ من طلاب المدارس والجامعات الحكومية فى القرى والمدن البعيدة عن المركز وليس بغلق الدائرة من علٍ وقصرها على أبناء «الذوات» من طلاب المدارس والجامعات الخاصة والأجنبية!!

واذا أردنا الاصلاح الحكومى ينبغى أن نبدأ أيضاً من اصلاح حال موظفى المحليات فى القرى والنجوع والمراكز حتى نصل إلى إصلاح حال من يتولون المناصب الوزارية حسب الكفاءة المطلقة وليس أيضا بقصر هذه المناصب العليا على نفس أفراد النخبة المعروفة التى لم نشهد لها إلا اختراقات محدودة واستثنائية!! وإذا أردنا العدالة الاجتماعية فالمفروض أن نبدأ من الاصلاح الهيكلى للوظائف والأجور بحيث يتساوى الجميع فى جميع الهيئات والمصالح الحكومية دون استثناء هيئة على أخرى اللهم إلا بحساب المخاطر والصعوبات التى يواحهها هذا الموظف أو ذاك!!

إن تحقيق العدالة ينبغى أن يُبنى على قاعدة واحدة إذا ينبغى فى اعتقادى أن تكون هناك نسبة ثابتة بين أعلى الأجور وأدناها من 1 إلى.؟.. فلا يحصل الموظف أياً كان مرتبته الوظيفية على مرتب يتجاوز هذه النسبة على أن يتوقف سيل المكافآت الاضافية التى يحصل عليها الموظف الكبير بحكم وظيفته فهذا هو المدخل إلى كل صور الفساد الحكومى والوظيفى !! فالصواب أن يتم اصلاح هيكل الأجور بحيث يحصل الموظف على مرتبه الثابت الذى يكفيه للقيام بكل الأعمال التى تتطلبها مهام وظيفته مرة واحدة شهرياً بلا استثناءات أو اضافة حوافز وبدلات وغيره مما تزخر به لوائح الأجور الحالية التى تجعل كل موظفى الدولة يلهثون وراء مثل هذه الاستثناءات والحوافز الاضافية فى وظائف بعينها ولموظفين بأعينهم بحكم مراتبهم الوطيفية !! إن التنمية الحقيقية ينبغى أن تبدأ من هنا، من القاع إلى القمة وينبغى أن تبدأ هكذا بالديالكتيك الصاعد من اصلاح حال صغار العمال والموظفين والفلاحين. فالديالكتيك الصاعد ينبغى أن يسبق الديالكتيك الهابط ويتكامل معه، وهكذا تكون دولة العدالة باقرار وتحقيق مطالب الناس قبل النظر إلى مطالب النخبة، فالدولة هى مجموع المواطنين وليس هى فقط دولة النخبة. والدولة الناجحة هى الدولة التى يتسع فيها الرفاه ليشمل جميع مواطنيها بما يسعدهم ويجعلهم جميعاً يتمتعون بجودة الحياة بتقاسم الخيرات المادية والمعنوية.