رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

على فكرة

لعلها المصادفة وحدها التى جمعت فى التوقيت بين صدور كتاب جديد للصديق الدكتور «وحيد عبدالمجيد»، وبين حدثين متباعدين فى المكان ومتقاربين فى الهدف. والكتاب هو ما صدر مؤخرًا عن دار الثقافة الجديدة، ويحمل عنوان «ديمقراطية القرن الحادى والعشرين ». أما الحدثان فهما إعلان الرئيس الأمريكى الجديد «بايدن» عن نيته تنظيم قمة للديمقراطية بعد تسلمه السلطة، بما ينطوى عليه ذلك من اعتراف ضمنى بأن الديمقراطية فى الغرب الأوروبى والأمريكى فى أزمة تحتاج لنقاش وبحث وعقد قمم، حتى من قبل اقتحام مبنى الكونجرس، دفاعا عن رئيس مهزوم فى الانتخابات، شكل صعوده إلى البيت الأبيض، خروجا غير مألوف على قواعد ثابتة للديمقراطية الأمريكية. والاستنتاج، الذى توصل إليه بعض المراقبين بأن الأمبراطورية الأمريكية باتت آيلة للسقوط، تسرع ليس له ما يبرره، لأن دولة الدستور والقانون والمؤسسات، الراسخة، هى ما مكنت من معالجة أخطاء الاقتحام، وما ترتب عليه. 

الحدث الثانى هو إعلان رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، أن لديه توجيهات رئاسية بأن تتحول مصر إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وهو يتشابه مع سابقه بالإقرار بأن الحياة السياسية المصرية لا ترسى قواعد لإتمام ذلك التحول.

بطبيعة الحال لا تنقصنا الأدلة على انتكاسة الديمقراطية فى النظام الرأسمالى الدولى، الذى أريد لنا أن نصدق فكرة خرقاء أن نموذحها الليبرالى بما يتيحه من اقتصاد حر يضع قيودًا ثقيلة على دور الدولة، هو نهاية التاريخ، وأنها منتصرة قياسا لسقوط الاتحاد السوفيتى، وأن صلاحيتها من حيث الأفكار والمبادئ والآليات باتت مؤكدة لكل المجتمعات. والحدثان الدولى والمحلى يعترفان بتلك الانتكاسة، ويعبران عن رغبة، تتسع الآمال أن تكون صادقة، فى البحث عن طريق.

ويأتى كتاب ديمقراطية القرن الحادى والعشرين، ليقدم دراسة علمية مبهرة قائمة على الحقائق لا العواطف، للسير فى اتجاه ذلك الطريق، بروح وثابة، تؤمن بإخلاص أن أزمة الديمقراطية الراهنة، ليست قدرية تفرض علينا التعايش معها، بل فرصة يجب اغتنامها لإصلاح عطبها، ليس فقط لعدم معرفة البشرية لنظام أفضل منها، بل أيضا لأن بدائلها  أسوأ منها.

ينخرط  الكتاب فى تحديد المصطلحات لوضع حد لفوضى القيم والمفاهيم، ويبرز خلال سياق تاريخى الاختلاف بين مفهومى الديمقراطية والليبرالية، من حيث النشأة والتطور . فبينما الأولى عملية اجرائية تضمن دورية الانتخابات، وعدالة القوانين التى تنظمها، والمشاركة الشعبية بها  التى تمكن المواطنين من اختيار السياسات التى تدافع عن مصالحهم وتحقق الصالح العام، وتتيح  للمعارضين المنافسة الحرة  للوصول إلى السلطة، فإن الثانية هى ثقافات وأفكار وفلسفات بينها مشتركات عدة، بما يعنى امكانية وجود نظام ديمقراطى دون أن يكون ليبراليا كما هو الحال فى اليابان ودول شرق آسيا. 

يزيح المؤلف الالتباس السائد فى بعض  وسائل وسائل الإعلام العربى حول عداء التيارات الشعبوية بطرفيها اليمينى واليسارى  للديمقراطية ، مع أن تزايد صعودها، قد تم عبر الانتخاب، وبآليات ديمقراطية، وبقدرتها الفائقة على الحشد والتعبئة، وهى ترنو للتغير من قلب النظام الرأسمالى القائم وليس بنسفه أو الدعوة لإسقاطه. مع أن كثيرين يرون أن جوهر الأزمة فى النظام الرأسمالى الاستعمارى، القائم على الاستغلال والاحتكار والاستعلاء القومى والعنصرى! 

الفكرة المحورية التى طرحها الكتاب ودلل عليها دكتور عبد المجيد ببراعة واقتدار، أن الديمقراطية التمثيلية، الذى يعد اجراء الانتخابات هى آلياتها الوحيدة، لم تعد مرضية لقطاعات هائلة من الشعوب، فضلا عن عدم قدرتها على منح شرعية سياسية لأنظمة الحكم القائمة. ولذلك يدعو إلى مزج بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة، بعقد الاستفتاءات الدورية على القرارات والقوانين والسياسات قبل تنفيذها، وتصويت الناخبين على أداء المسئولين التنفيذيين والنواب دون اجراء انتخابات جديدة،، وفتح مجالات مستمرة للحوار المجتمعى، وتحقيق الشفافية الكاملة بشأن الإنفاق العام. 

كتاب يأتى فى وقته تمامًا، ويضاف إلى جهود المؤلف الحثيثة، لدعم الثقافة الديمقراطية، سواء على المستويين الحركى أو الفكرى.