عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

الوصول للنضج أمر عظيم وجلل لا يصل إليه كل البشر فهو ليس بالأمر اليسير، وغير صحيح أن كل عاقل راشد هو ناضج، وغير صحيح أيضًا أن يقترن النضج اقترانًا وجوبيًا بكبار السن مع أنه من المفترض، فالنضج لا يرتبط الوصول إليه لا بسن ولا بنوع ولا بوظيفة ولكنها تجارب الحياة والتى قد تفرض علينا دروسًا وعِبرا، نخسر كثيرًا إذا ما لم نتعلمها أو نفهمها جيدًا.

ويعرف المختصّون فى علم النفس النضج بوجه عام كونه حالة من التوافق المحكم تُشير إلى اكتمال وتناغم العمل ما بين الوظائف العقليّة، والجسديّة، والفسيولوجيّة، والروحية، والاجتماعية، بصورة تمكّنه من فهم الحياة بتناقضاتها المختلفة والمعقدة، وكذلك الاستقلالية فى التحكم فى شؤونه واتخاذ القرارات المصيريّة المعقولة والمنطقيّة والسليمة فى حياته بمعزل عن سيطرة الآخرين وتأثيرهم، أى ألا يكون تابعًا لغيره.

إذن حدد هذا التعريف شروطا أساسية لاكتمال عملية النضج لدى الأفراد والتى من أهمها من وجهة نظرى الاستقلالية وعدم التبعية، أى أن تكون قادرًا على اتخاذ قرارعقلى منطقى سليم بذاتك وألا تكون تابعًا لأحد، فأهداك المولى نعمة العقل وميزك بها لتستخدمها وتهتدى بها، لا أن تُعير عقلك لغيرك وتنظر ما سيقرر لتتخذ قرارك، وأرى أن التبعية تشمل أيضًا تأثرك بلغة المشاعر والعواطف وقت حكمك على الآخرين واتخاذك القرارات فيجب أن تتحرر من سيطرة المشاعر عليك لكى تنتج قرارًا منطقيًا سليمًا.

وما أكثر التابعين بلا تمعنٍ أو تفكير، فرأيت أناسًا يتبعون غيرهم لعدم بذلهم أى جهد فى عملية التفكير واتخاذ القرار. ومع تعدد تعريفات النضج فى نظريات علم النفس راق لى هذا التعريف البسيط فى كلماته والعميق فى معانيه، تعريف ساقه أحد علماء النفس والذى أكد فيه على أن النضج هو الفهم الواضح لمغزى الحياة.

وأعتقد أننا نلج دائرة النضج ليس لأننّا قد نجحنا فى اجتياز أصعب الاختبارات أو أقسى المواقف والتجارب المؤلمة وأكبر الصدمات الحزينة المؤسفة التى مرت بنا فى الحياة، لا، فمن الوارد جدًا أن نكون قد فشلنا فى تخطيّ الأزمات وقتها، ولكن رغم فشلنا فقد نبتت بذور النضج وترعرعت بداخلنا، فأصبح كل موقف أو أزمة تعصف بنا لا تزدنا إلا إصرارًا وثباتًا وقوة كى نتخطاها بسلام دون أن نهتز أو تخر قوانا النفسية.

وأعتقد أن مرحلة النضج تصل لكمالها وتمامها فى نفوسنا حين الإصرار والمثابرة على تعزيز منظومة القيم الشاملة تعزيزًا سلوكيًا مطبقًا على أرض الواقع وليس مجرد فهم معرفى لها، وتلك القيم التى اكتسبناها طوال فترات حياتنا سواء فى مراحل التربية الأولية أو من الشرائع الدينية أو من القراءات المتنوعة.

أما تعريفى للنضج فهو مجموع التجارب السيئة والصدمات المؤلمة مضافًا إليها مجموع ردود أفعالنا وتصرفاتنا حيالها، مما يشكل لدينا وعيًا وإدراكًا يترسب داخل نفوسنا ناتج عن الدخول فى مرحلة التجربة الفعلية والواقعية حينما نصطدم بالعقبات والمشكلات، فنحن لم نقرأ فقط عن الألم بل ذقنا مرارته، ولم نسمع فقط عن الوجع بل عصفت بنا صيحات رياحه، أما الأذى فتجرّعنا رغمًا عنّا مُر شرابه، وأما الدموع فانحدرت كالسيل يدفع بعضها بعضًا وإن مكثت، لملأنا منها بحارًا وأنهارًا، والظلم ظلمات أطفأ نور الحياة من حولنا ولم يُهدئ من روعنا إلا انتظار عدالة السماء، والغدر داء خبيث هتك سلام نفوسنا بشرور طعناته، فقد جرّبنا ودفعنا ثمن تجاربنا الكثير والكثير.

وهذا المخزون الإدراكى نستدعيه دومًا حين مرورنا بمواقف شبيهة كالتى بذلنا فيها كل طاقاتنا العقلية والنفسية والبدنية من قبل، فنتذكر ما أحلّ بنا فلا نرض أن يحدث ذلك أخرى، فنتخذ ردود أفعال أكثر هدوءًا وتصبح انفعالاتنا أكثر ثباتًا ونضجًا، بعد أن تعلمّنا من الأخطاء السابقة فى أزمات ماضية وبعد أن استفدنا دروسًا قاسية من تجارب سابقة. فالنضج أن تكون مستقلًا وذا قيم محققًا التوازن العقلى والنفسى المنشود.

[email protected]