رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

نحو المستقبل

كثيرا ما أتيقظ لذاتى بتعبير فلاسفة الصوفية وأجد نفسى أتساءل مندهشا: ما نوع هذه الحياة التى نحياها فى هذا القرن الجديد وهل هى حياة تليق بالبشر؟! إننا نحيا فى هذا القرن حياة لاهثة لا نكاد نرى فيها ذواتنا إلا وهى تلهث وراء الجديد كل يوم، وما إن نفرغ من تحقيق مطلب حتى تنفتح أمامنا عشرات أخرى غيرها!! وكلها مطالب مادية تتعلق باللحاق بتكنولوجيات جديدة لابد أن نتعرف عليها ونقتنيها،  وعلينا كذلك أن نتدرب على استخدامها وإذا لم نفعل ذلك أصبحنا متخلفين ونتهم حتى من أولادنا وأحفادنا بأننا «دقة قديمة» وأناس غير قادرين على التفاعل مع التقدم التكنولوجى المتسارع لهذا العصر العظيم الذى يعيشون فيه!! بل نجدهم نكاية فينا وفى تخلفنا المزعزم يريدون تركنا وترك بلادنا النامية أو الآخذة فى النمو والتقدم ليذهبوا إلى قبلة الثراء والتقدم وحامية حمى التكنولوجيا والمثل الأعلى للتقدم فى العالم: الولايات المتحدة الأمريكية!! فهل التقدم التكنولوجى والاقتصادى المعتمد على رأس المال والاقراض البنكى هو المعيار الوحيد لقياس التقدم والتخلف فى عالم البشر؟!

وكثيرا ما وجدتنى أتساءل: هل هم فعلا على حق وأننا  أصبحنا كائنات جفت جذورها وقلت حيويتها وانتهى عمرها الافتراضى فى هذا العالم؟! أم هم المتخلفون باصرارهم اللامحدود على ملاحقة كل شاردة وواردة فى عالم التكنولوجيات المتقدمة؛ إذ لابد أن يحصلوا على آخر صيحات التقدم فى الأجهزة الحديثة من أجهزة الحاسوب إلى أجهزة التليفون المحمول والسيارات آخر موديل والبيوت الزجاجية الرخامية الأنيقة فى الكومباوندات الحديثة وفى المدن الجديدة.. الخ. ولما كنا نحن من عصر «وابور الجاز والتعريفة المخرومة» فنحن نستكثر عليهم كل ذلك ونعتبره سفها وتبذيرا ثم من أين لنا ونحن من موظفى الحكومة الخاضعين لسيف مرتباتها الضعيفة التى لاتكفى حاجاتنا الأساسية فى المأكل والمشرب ولسيف ضرائبها و»«افتكاساتها» اليومية للحصول على كل اضافة وعلى كل جنيه جديد يدخل جيوبنا، من أين لنا أن نلبى طلبات هؤلاء الأبناء المتزايدة والمتلاحقة؟! وكيف يمكن أن نشعرهم ناهيك عن أن نقنعهم  بأن هذه كلها كماليات ليست ضرورية وأن الحياة يمكن أن تعاش بدونها؟!

والحقيقة أن هذه التساؤلات المحيرة وغيرها كثيرا ما تثور فى أذهان وعقول كل من عاشوا التطورات المتلاحقة من بدايات أو حتى من منتصف القرن العشرين حتى الآن؛ فهم قد عاشوا الحياة البسيطة الهادئة التى كان يسعدهم فيها أن يعملوا من بعد صلاة الفجر إلى صلاة المغرب وكانت أقصى أمانيهم بعد الانتقال من عصر الراديو إلى عصر التليفزيون الأبيض والأسود والتليفزيون الملون مجرد  السهر حتى نشرة أخبار التاسعة فى القناة الأولى  وأن يشاهدوا فيلما عربيا أو أجنبيا مساء كل خميس على القناة الثانية!! وكان أقصى ما يفرحهم أن يدخل التليفون الأسود إلى منازلهم بعد سنوات عديدة من الانتظار فيقيموا له الاحتفالات ويفرح به معهم الأهل والأصدقاء والجيران، حيث أصبح لديهم وسيلة عظيمة وسريعة للتواصل! فما بالنا اليوم وقد أصبح كل منا يحمل تليفونه الشخصى وحاسوبه الخاص فى جيبه وربما فى أذنه وقريبا فى نظارته!! ما بالنا وقد أصبحنا نعيش أحداث العالم كله فى لحظة وقوعها؟! ما بالنا وقد أصبحنا عاجزين عن أن نستمتع ونستقل بحياتنا ونحتفظ بأسرارنا فى ظل وجود الفيس بوك والتويتر والانستجرام  والواتس آب وما لا أعرفه وخفى عنى ربما يكون أعظم!!

لقد وصل بنا التقدم التكنولوجى فى كل شىء إلى حد البحث عن كل ما هو طبيعى  حيث أصبح كل شىء حولنا مصنعا وأصبح الاستثناء هو أن نجد الشىء الطبيعى، لقد ضجت الأرض والسماء مما تفعله تكنولوجياتنا المتلاحقة  من تدمير فيها وكادت بيئتنا التى صنعناها بأيدينا تخنقنا وتقضى علينا وعلى كل مظاهر الحياة على كوكب الأرض!! فكم الأمراض المستحدثة التى نعانيها كبشر من جراء التغيرات البيئية والمناخية أصبح ضخما ومتنوعا لدرجة لا يمكن أن يلاحقها تقدمنا المزعوم فى علوم الحياة وعلم الطب!! وما فيروس كورونا المستجد وما حصده من أرواح ملايين البشر  إلا مجرد مثال بسيط  على أننا بكل ما نملك من تقدم تكنولوجى لانستطيع مواجهته ناهيك عن القضاء عليه. ولعل السؤال الملح هنا هل نحن نعيش حياة بشرية  طبيعية حقيقية أم حياة مصنوعة معلبة ومغلفة بأنواع وهمية من اللذة والسعادة وهى فى حقيقتها حياة الشقاء والألم بعينه؟!

ربما نحاول الاجابة عن هذا السؤال فى مقالنا القادم.