رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

  درجنا كأفراد وكجماعات فى مجتمعاتنا الشرقية على تربية أولادنا تربية سلبية تسليمية أى على السمع والطاعة ، ومن ثم فإننا نفضل أن نستمع منهم دائما إلى كلمة « حاضر» و»نعم «. والحقيقة التى ينبغى أن نعلمها كمربين أو كآباء وأمهات أن الفرد منا يولد ولديه عقل مختلف ، فكما تختلف بصمات أيدينا تختلف عقولنا ، فكل منا يولد ولديه بصمة عقلية مختلفة تنمو مع الوقت، وتكاد تكتمل مع بداية  فترة المراهقة ثم الشباب والنضج ولو لم نتعهد هذه البصمة العقلية المختلفة بالرعاية والاهتمام عن طريق ترك الطفل يسأل بحرية ويجرب ويكتشف بنفسه حقائق ما حوله بل ومساعدته على أن يسأل ويحاور ويقبل ويرفض ، ستذبل هذه البصمة العقلية المختلفة وتموت ويظل الفرد منا تسليميا سلبيا لايستطيع أن يتخذ قرارًا منفردًا صحيحًا فى أى شأن من شئون حياته كما أنه لن يمتلك القدرة على تحمل مسئولية أى قرار يتخذه فى عمله إذا امتلك القدرة على اتخاذه أصلا !! ناهيك عن أنه لن يمتلك أى شيء من تلك القدرات الابداعية التى تمكنه من اكتشاف الجديد أوالتفكير بعيدا عن المتداول والشائع والمتاح أى أنه لن يفكر أبدا بطريقة « خارج الصندوق « كما نقول فى حياتنا اليومية .

إن هذه الطريقة  التسليمية التى تربينا عليها ولانزال نفضل تربية أولادنا عليها لاتغفل فقط ماقلناه عن أن لكل منا بالفطرة بصمة عقلية مختلفة ، وإنما تتناسى كذلك تلك المقولة الفلسفية الشهيرة لأفلاطون « أن الحقيقة حمالة أوجه « أى أنه لاتوجد فى المعرفة أو العلم الانسانيين حقيقة مطلقة ، بل هى دائما حقائق نسبية تختلف باختلاف الأفراد وباختلاف العصور ، ويطرد تقدمنا الانسانى استنادا إلى هذه المسألة البديهية !

ولعل من أمتع ماقرأت للتعبير عن ماقلته فيما سبق ، تلك العبارة الرائعة التى يقول فيها الفيلسوف الانجليزى الشهير جون استيوارت مل « إن الذى لا يعرف سوى منظوره للقضية لا يعرف سوى القليل عنها. قد تكون مبرراته وجيهة وربما لم يتسن لأحد رفضها، غير أنه إذا كان عاجزا بالقدر نفسه عن تفنيد الموقف المعاكس لن يكون لديه أساس لتفضيل أى من الموقفين».

إن هذه العبارة تلخص رؤية الفيلسوف حول ما ينبغى أن تكون عليه رؤيتنا الانسانية للمعرفة والحقيقة ، إذ ينبغى أن يدرك كل منا أنه لايمتلك سوى منظور واحد للقضية التى نحاول اكتشاف حقيقتها ومن ثم فعلينا أن نوسع منظور الرؤية لنرى ونستمع لوجهات النظر الأخرى حول نفس القضية ، وألا نسارع بالصواب أو بالخطأ إلى الدفاع عن رؤيتنا ضد وجهات النظر الأخرى المحتملة حولها ونهاجمها ونهاجم أصحابها دون تفكير فيها وتدبر لها ، ذلك التفكير الذى يمكننا من تحليلها وتفنيدها . وبقدر مانمعن النظر العقلى فى وجهات النظر الأخرى بعد حصرها و تحليلها بقدر ما ستكون قدرتنا على تفنيدها وتأكيد وجهة نظرنا الخاصة أقوى وأفضل.

ولهذا القائل أقول : هب أن أحدهم جاء ليخطب ابنتك أو أختك وبدا عليه من مظاهر الأبهة والفخامة والثراء مابدا وأنت لاتعلم من أين له هذا وهو ليس ابنا لأسرة عريقة معروف عنها هذا الثراء العريض ؟! فماذا أنت فاعل ؟! إنك حتما ستشك فيه وستبدأ فى السؤال والتقصى حوله فى العنوان الذى أعطاكم اياه والجامعه الأجنبية التى ادعى أنه تخرج فيها والمؤسسه الفخمة الذى ادعى أنه يملكها أو يعمل بها . الخ. إن هذا هو نفسه نمط التفكير النقدى الذى يدعوك إليه الفلاسفة ، فلاينبغى أن تنبهر بالمظاهر البراقة كما لاينبغى أن تسلم  بالأراء الخادعة والأفكار الزائفة قبل أن تتبين بنفسك وتتأكد لديك شخصيا حقيقة هذه المظاهر أو صواب تلك الأفكار!

ولعلى أسأل قارئنا العزيز الآن : أيهما أفضل وأيهما أنفع لحياتنا العقلية والعملية : التسليم بالأفكار عن طريق السمع والطاعة دون حوار ودون بحث وتقصى أم البدء بالتشكيك والنقد  حتى يتم الايمان بالفكرة الصحيحة بعد امتحانها وغيرها امتحانا نقديا ؟! وأيهما أنفع لمستقبل أولادنا أن نربيهم على التسليم والسمع والطاعة أم نربيهم تربية عقلية نقدية ؟! راجع عنوان المقال تجد الاجابة .

[email protected]