رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

فى إطار المؤتمر الفلسفى الذى احتفلت من خلاله الجمعية الفلسفية بمئوية ثورة 1919م تحت عنوان «العقل والثورة» ذكرنا أهمية تعريف الحدين أو المصطلحين المتلازمين العقل والثورة، وقد تحدثنا فى المقال السابق عن معنى العقل ومدى حيرة الفلاسفة والعلماء منذ قديم الزمان حتى الآن فى تعريفه وحول كيفية عمله. وفى مقالنا الحالى نتحدث عن مصطلح الثورة وهو ليس أقل غموضا من مصطلح العقل، إذ عادة ما تنصرف الأذهان حينما نسمع هذا مصطلح «الثورة» إلى عالم السياسة فنتصور أن الحديث سيقتصر على عالم السياسة والثورات السياسية! والحقيقة أن كلمة «ثورة» فى الأصل تعود إلى علم الفلك، حيث عرفت واكتسبت شهرتها وأهميتها من خلال كوبرنيكوس والثورة الكوبرنيكية التى أحدثها هذا العالم الكبير حينما رفض النظرية البطلميوسية عن مركزية الأرض واكتشف نظريته عن مركزية الشمس التى تغيرت معها تماما نظرتنا إلى الأرض وعلاقتها بالشمس. إن كلمة ثورة فى استخدامها العلمى قد احتفظت بمعناها اللاتينى الدقيق، حيث كانت تصف بوضوح الحركة الدائرية الاعتيادية للنجوم. وبما أن هذا المعنى كان خارج تأثير الانسان فإنه لم يكن يتصف بالجدة ولا بالعنف بل اقتصر كما قلنا على وصف الحركة الدائرية المتكررة للنجوم. وقد انتقل هذا المعنى على سبيل التشبيه فى السياسة، واذا استخدمت كلمة الثورة بمعناها الأصلى للتعبيرعن شئون البشر على الأرض فهى إنما تفيد- كما تقول حنا ارندت فى كتابها الذى حمل نفس العنوان «فى الثورة» - بأن أشكال الحكومة القليلة تدور بين البشر الفانى بتكرار أزلى وبالقوة ذاتها التى لا تقاوم وتجعل النجوم تسير فى الدروب المرسومة لها فى السموات. ومن ثم فليس هناك ما هو أبعد عن المعنى الأصلى لكلمة «الثورة» إلا الفكرة التى استحوذت على الثوريين وهى أنهم وكلاء فى عملية تقضى بنهاية عالم قديم وتأتى بميلاد عالم جديد. والطريف أن الكلمة حينما استخدمت لأول مرة بالمعنى السياسى فى القرن السابع عشر فى العصر الحديث كان المحتوى المجازى لها أقرب للمعنى الأصلى ذلك لأنها استخدمت لوصف حركة ثورية تدور عائدة إلى نقطة ما محددة مسبقا، إن الكلمة قد استخدمت لأول مرة ليس حين قلنا إن ثورة اندلعت فى انجلترا وتولى معها كرومويل أول ديكتاتورية ثورية، بل على العكس فقد استخدمت بعد الاطاحة بالبرلمان وبمناسبة اعادة الملكية والنظام الملكى إلى انجلترا عام 1688 وحين طردت أسرة ستيوارت ونقلت السلطة الملكية إلى وليام ومارى.

على كل حال فإن المعنى الدارج وربما القاموسى لكلمة الثورة هو «التغيير» بمعنى الخروج على الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا عن الوضع القائم ومن ثم التطلع إلى وضع أفضل. وبالطبع فلا يشترط فى اجراء هذا التغيير أن يكون سريعا أو يصاحبه أعمال عنف، رغم أنه عادة ما يساء فهم معنى الثورة والتغيير حينما يرتبطان فى معظم الأحيان بأعمال العنف والقتل والحرق والتدمير التى تميزت بها الكثير من الثورات فى العصر الحديث.

وعموما فإنه لا يمكننا الحديث عن الثورة إلا حينما يحدث التغيير ونكون بالفعل أمام بداية جديدة، وفى هذا السياق يمكننا القول إن هذا هو المشترك فى معنى الثورة سواء كانت فى مجال العلم أو فى مجال السياسة.

واذا تساءلنا: من يحدث هذا التغيير فى مجالات التفسير العلمى والحياة السياسية والاقصادية والاجتماعية لكانت الاجابة على الفور: إنه الانسان! واذا تساءلنا بعدئذ بأى أداة لدى الانسان يحدث التغيير وتحدث الثورة على الجمود وعدم التطور لكانت الاجابة: بالعقل! ومن ثم فإن العقل فى الانسان، إذًا هو أداة التغيير الثورى فى كل المجالات وبدونه وبدون تفعيل قدراته البحثية والاستشرافية الحالمة بمستقبل أفضل تبقى حياة الانسان جامدة خاملة لا جديد فيها ولا تقدم.

ومن هنا تأتى أهمية ارتباط هذين الحدين ببعضهما؛ إذ ينبغى أن يتسع ارتباط العقل بالثورة فلا يقتصر الحديث عن العقل والثورة بالمعنى السياسى بل يمتد إلى الحديث عنهما فى مجال العلم، وعلى مر العصور فى تاريخ الفلسفة والعلم على السواء. إن العقل والثورة حدان متضايفان ومتوازيان فى أى تغيير يحدثه الانسان فى أى مجال من المجالات سواء على الصعيد الفردى أو على الصعيد الاجتماعى، على الصعيد العلمى أو على الصعيد السياسى.

[email protected]