عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى مقالنا السابق تحت ذات العنوان تناولنا رؤية علم الاجتماع للخصوصية الثقافية للأمة العربية، وعرضنا لرأى الكاتب الموريتانى محمد ولد الكتاب، الذى حصر مقوماتها لدى الأمة العربية فى ثلاث نقاط رئيسة، هى اللغة العربية، والدين الإسلامي، والموروث المعرفى لها المتراكم عبر الحقب الزمنية التى مرت بها.

وقد أبديت تحفظى على بعض ما جاء عنده لأن الشرق حوى ديانات سماوية أخرى غير الإسلام، ومن ثم فقد شكل أبناء الأمة العربية بكافة دياناتهم الإسلامية والمسيحية واليهودية آتونًا واحدًا أفرز خصوصية ثقافية للمجتمعات الشرقية. ووقفنا عند ضرورة تجديد الخطاب الدينى بشقيه المسيحى والإسلامى ليلائم مرحلة ما بعد الحداثة، وروح الحب والتسامح تجاه الآخر، والتى ينبغى أن تزين مفرداته.

وهنا سأركز على خاصية التسامح الدينى الغائبة عن مفردات الخطاب الدينى المعاصر، لكوننا فى أمس الحاجة إلى إحيائها بيننا جميعًا، لأن العفو والتسامح يهذبان الأخلاق، ويؤلفان بين قلوب البشر، ليجتمعوا على هدف واحد؛ وكيف كان لهذه الصفة يومًا ما النصيب الأكبر فى تحقيق السلم الاجتماعى طوال عقود مضت، كما سنعرض فى مقالاتنا التالية.

لن أقف فى مقالى هذا عند النصوص الدينية التى تزخر بها الكتب المقدسة، فما أسهل أن يحصرها المرء إما بالقراءة المباشرة أو بالاستدعاء الإليكتروني؛ بل سأقف عند شخص صلاح الدين الأيوبى -على سبيل المثال- الذى ما أن يتم استدعاؤه على المنابر أو على ألسنة العامة إلا وترتفع الحناجر منادية على من خلص القدس من الفرنجة، وأطاح برأس إرناط بعد فُجره.

والواقع أنه عند تناول الخطباء لشخص صلاح الدين لا يقفون أمام سموه الأخلاقى حتى مع العدو، والذى يتطابق مع الكتاب المقدس حين قال: «وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ»(متى44:5). فصلاح الدين إنما كان مثالاً عالمياً للتسامح الديني، يجب أن يُحتذى، انعكس فى سلوكياته مع الفرنجة. فبعد أن دخل مدينة بيت المقدس بقواته منتصرًا، سمح لأعدائه أن يخرجوا منها سالمين بأموالهم وأطفالهم وشيوخهم ونسائهم وصلبانهم إلخ؛ ولم يُقبل على سبيهم أو مصادرة أموالهم؛ الكل خرج أمامه سالماً بماله وعتاده صوب صور. وهنا، انتهج القائد المسلم نهج القرآن القائل: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.

ليست هذه هى الحادثة الأولى فقط، فذات يوم جاءته امرأة صليبية تشكو إليه أن المسلمين خطفوا رضيعها، فرق قلبه وبكى وأمر بالطفل، فإذا به تم بيعه، فافتداه من ماله ورده إلى أمه التى ما أن تلقفته حتى أخذت فى إرضاعه أمام الكافة، ليس هذا فحسب بل أمر براحلة لها لتقلها نحو معسكر أعدائه.

هذا الجانب الإنسانى فى شخص صلاح الدين لا أذكر أننى سمعت يومًا خطيًبا ما يتناوله على المنابر، ليحث المصلين على الاقتداء بأخلاقه، وعلى نشر ثقافة الحب والتسامح حتى مع الأغيار، واقتصر استدعاء صلاح الدين فى الذهنية العربية على تخليص القدس الشريف؛ دون أن يُذكر أنه استرد أيضًا الكنائس بكافة أطيافها لتدق نواقيسها ثانية دون قيد أو شرط.

لا يذكر الخطباء أن صلاح الدين اتخذ موسى بن ميمون، الطبيب اليهودى الذى قدم على بلاطه من الأندلس، طبيبًا خاصًا، وأصبح له حق الدخول إلى القصر والخروج منه لمتابعة صحة سلطان المسلمين وذويه.

أليس تجديد الطرح التاريخى للشخصيات والرموز الإسلامية يدخل فى سياق الخطاب الدينى الجديد، الذى ننشده؟

للحديث بقية فى المقال التالي.

كاتب وأستاذ أكاديمى