عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

يوم السبت الماضى 7 ديسمبر وعلى مدار ثلاثة أيام عقدت الجمعية الفلسفية المصرية مؤتمرها السنوى الثلاثين تحت عنوان: «العقل والثورة» احتفالا بالذكرى المئوية للثورة المصرية الأم ثورة 1919م التى اشتعلت طلبا للاستقلال والتحرر من الاستعمار الانجليزى ومناصرة للوفد المصرى برئاسة الزعيم سعد زغلول فى تفاوضه مع ممثلى الاستعمار!!

وقد حفلت جلسات المؤتمر بمناقشات فلسفية موسعة حول معنى العقل والثورة بداية من كلمة رئيس الجمعية والمحاضرة الافتتاحية للمفكر المصرى الكبير د. حسن حنفى وسارت بقية الجلسات فى نفس السياق، لكنها تطرقت لتطبيقات عديدة حول رؤى الفلاسفة والعلماء والمؤرخين للعقل والثورة فى مختلف عصور الفلسفة ومختلف الثورات العلمية وكذلك فى مختلف الثورات التاريخية وخاصة الثورات المصرية ابتداء من ثورة 1919م وحتى ثورتى 2011 و30 يونية 2013م.

فماذا يعنى العقل وماذا تعنى الثورة؟!

أما العقل فهو الحد أو الاصطلاح الذى تحير فى تحديده الفلاسفة والعلماء منذ قديم الزمان وحتى الآن. حقيقة يعرف الكل الآن أن العقل هو منتج الأفكار، حيث أكد علماء اليوم «أن الأفكار والعقلانية يتركزان فى المخ»، ومن ثم فقد تم تقريبا حسم علاقة العقل بالمخ والجسم. لكن البعض كان يرى فى الزمن القديم وخاصة فى الحضارة المصرية والحضارة اليونانية القديمتين أن القلب هو مركز ومقر الوظائف العقلية، وكان أرسطو وهو قمة النضج العلمى فى الحضارة اليونانية يرى أن العقل بما هو كذلك قوة مفارقة للجسم، وقد أكد ذلك ببراهين عديدة أبرزها أنه (أى العقل) لا يتأثر – كما هو حال الحواس – بقوانين الجسم أو قوانين المادة؛ حيث إن العقل تزداد إدراكاته قوة بكثرة استخدامه، بينما تضعف الحواس بمرور الوقت وبكثرة الاستخدام.

أقول إن العلم الحديث قد حسم هذه المسألة فيما يخص أن العقل والأفكار العقلية مقرها «المخ» فى الجسم الإنسانى، لكن الفلاسفة والعلماء اختلفوا فى الحديث عن ماهية العقل؛ فقد نظر البعض إليه على أنه أشبه بالحاسب الآلى، وقد كان أول من ألمح إلى هذه الفكرة – رغم أنه لم يكن قد عرف الحاسب الآلى بعد – هو الفيلسوف الانجليزى الشهير توماس هوبز الذى قال فى القرن السابع عشر «العقل لا يخرج عن كونه حسابًا فما هو إلا الجمع والطرح»، أما الآن وبعد أن اكتشفت الحاسبات الآلية تمادى بعض المعاصرين فتساءلوا بوضوح: هل يعد المخ جهاز كمبيوتر بحق ؟»، لكن الحقيقة أنه ليس كذلك تمامًا؛ إذ كشف ستيفن بينكر S. Pinker فى كتابه «اللوح الفارغ» الصادر عام 2002م عن أن النظرية الحاسوبية للعقل لا تزعم أن العقل جهاز كمبيوتر، وإنما تزعم فقط أنه يمكننا تفسير العقول ومعالجة معلومات البشر بتطبيق بعض المبادئ الحاسوبية نفسها».على كل حال فإن تشبيه العقل بجهاز الكمبيوتر لا يلغى مطلقًا أن ثمة فروقًا دقيقة بينهما يدركها الجميع؛ ولعل أوضح هذه الفروق أن البشر يملكون القدرة على الاعتقاد بينما تلك الأجهزة الحاسوبية لا تعرف ذلك ولا تستطيعه، وقد أكد ذلك الفيلسوف الطبيب راى تاليس Ray Tallis فى مؤلفه الشهير «لماذا لا يعد العقل جهاز كمبيوتر؟» عام 2004م، حيث أشار إلى أنه على الرغم مما زعمه فيلسوف العقل الشهير جون سيرل J. Searle من أن أجهزة الكمبيوتر مثل العقل هى على حد سواء تقوم بمعالجة الرموز فإن هذه الرموز تعد أمرًا ذا معنى بالنسبة للشخص الذى يفهمها فى الواقع. إن أجهزة الكمبيوتر فى نظر تاليس لا تتجاوز كونها أطرافا صناعية فهى لا تقوم بعمليات حسابية أكثر من الساعات التى يحسبون بها الوقت، فالساعات تساعدنا على معرفة الوقت ولكنها لا تفعل ذلك من تلقاء نفسها».

على كل حال فإنه مهما اختلفت منظوراتنا نحو العقل ومعناه، فإن كل هذه التطورات فى واقع الحال تدور – كما يتضح لنا من تاريخ تناول الفلاسفة والعلماء لمعنى العقل عبر العصور – حول علاقة العقل بالجسم؛ فثمة نظرية ثنائية تقرر ثنائية العقل والجسم، وثمة نظرية أحادية توحد بينهما، وثمة نظرية مادية تقرر فيزيائية العقل وثمة نظرية بيولوجية تفسر حيوية العقل وثمة نظريات معاصرة تربط بينه وبين الحاسوب وتنظر إليه على أنه مجرد حاسب آلى، وثمة أخرى ترفض ذلك. إن كل هذه الآراء وغيرها حول طبيعة العقل تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ماهية العقل وتفسير كيفية قيامه بنشاطاته الفكرية ما يزال وربما سيظل لفترة طويلة فى المستقبل مسألة غاية فى التعقيد والألغاز.

[email protected]