رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لا شك أن الثورة الرقمية المعاصرة كانت فاتحة خير كبيرة لكل الباحثين فى العالم، حيث وفرت لهم المواقع البحثية ومحركات البحث الحاسوبية قدرًا لا محدودًا من المعلومات وكمًا هائلًا ولا محدودًا أيضًا من الكتب والدوريات والأبحاث والمقالات العلمية التى أصبحت متاحة عند أطراف أصابعهم؛ فبمجرد الضغط على حروف اللاب توب أو حتى الموبايل على أحد محركات البحث، مشيرًا إلى الموضوع الذى تبحث عنه تجد عشرات بل مئات الإشارات إلى هذه المصادر والمراجع التى تعينك على بحثك!

ورحم الله أيامًا كنا نقطع فيها المسافات للذهاب للمكتبات العامة والخاصة للحصول على كتاب من هنا وكتاب من هناك، ولما كنا نعجز عن توفيره من مكتباتنا المحلية فى أرجاء الوطن نلجأ إلى البحث عن أحد الأصدقاء أو أحد أساتذتنا الذين كانوا دائمى السفر إلى الخارج ليوفره لنا مطبوعًا أو مصورًا، وكم كانت تكلفة تلك الكتب والدوريات باهظة علينا كباحثين شباب فى مقتبل حياتنا الوظيفية والبحثية! ومع ذلك كنا نطير فرحا حينما ننجح فى الحصول على هذه الكتب الأجنبية التى لم يكن ممكنًا أن تكتمل بحوثنا إلا من خلالها!

أما الآن فصديقى «جوجل» المحرك البحثى الشهير الذى لا يفارقنى ليلًا أو نهارًا سواء كنت حاملًا اللاب توب أو التليفون المحمول قادرًا على حل معظم ما يواجهنى من مشكلات بحثية أو حتى حياتية؛ فإن مواقعه البحثية والعلمية توفر لى ما أحتاجه من مراجع بالمئات فى أى موضوع بحثى أود اتمامه أو فى أى مقال أود كتابته، كما أن ذاكرته الإلكترونية اللامحدودة تساعدنى فى العثور على معانى ومترادفات أى كلمة أو مصطلح أريد معرفة معناه فهو محمل يكل القواميس اللغوية الخاصة بلغتى العربية وبكل لغات الدنيا، وإن عجزت عن ترجمة أى كلمة أو حتى فقرة من أى لغة أخرى فهو خير من يعيننى فى ذلك وإن عابه بعض الدقة فى تلك الترجمة لأنه يعجز أحيانًا أو يصيبه الاضطراب حين لا يفهم بعض المصطلحات التخصصية أو الكثير من الكلمات الدارجة العامية فمعه كل العذر لأنه لم يزود بهذه المصطلحات التخصصية أو بهذه الكلمات العامية الدارجة! وإن كنت أبحث عن معلومات عن أى علم من الأعلام فى إطار تخصصى أو أى تخصص آخر أجد لديه المعلومات الكافية عن هذا العالم أو ذاك، والطريف حقًا أن ذاكرته لا يصيبها الوهن أو الضغف الذى يصيب ذاكرتنا الإنسانية، فنحن كثيرًا ما نفقد ما لدينا من معلومات حول أى موضوع أو أى شخص لأننا نصاب عادة بداء النسيان وذاكرتنا محدودة السعة ومحدودة الزمان والمكان، لكنه أبدًا لا يصيبه داء النسيان وذاكرته من السعة بحيث تعرف عنى ما لم أعد أتذكره أو أعرفه الآخرين أو عن نفسى وكثيرًا ما يدهشنى فى ذلك، حيث أجده يحتفظ بما لم أحتفظ به من مقالات أو أخبار كما أجد لديه معلومات عن ما كتب عنى من كتب أو مقالات لا أعرف أصحابها ولا أستطيع الوصول إليها. إنه يمتلك أرشيفًا خاصًا بكل منا نستطيع الاطلاع عليه متى شئنا وهو وحده القادر على تخليد ذكرانا حتى بعد وفاتنا من خلال هذا الأرشيف الذى لا يمحوه الزمن، وكم من أصدقاء رحلوا ولم أعد أذكر تاريخ ميلادهم أو تاريخ وفاتهم وتغيب عنى الكثير من المعلومات عن اهتماماتهم وكتاباتهم وهو وحده الذى أستطيع اللجوء إليه ليذكرنى بهذه المعلومات وغيرها عنهم. كما أنه أصبح الحامل لبريدى الالكترونى الذى أغنانى عن الذهاب لمكاتب البريد وانتظار ساعى البريد برسائل الأصدقاء وبرسائل الأخبار ومتطلبات العمل التى كانت كثيرًا ما تتأخر لأيام وشهور وكثيرًا ما كانت تفقد فى مكاتب البريد التقليدية أو لدى ساعى البريد نفسه، لقد اختصر الزمن علينا فى حمله هذه الرسائل التى تذهب ويرد عليها فى نفس اللحظة من وإلى أى جهة من جهات العالم الأربع ودون ابطاء أو تأخير. ورغم أننى لست من هواة استخدام وسائل التواصل الاجتماعى وخاصة «الفيس بوك» و«انستجرام» و«تويتر» ومثيلاتها، إلا أننى أقدر له أنه قرب المسافات بين الأصدقاء والأعداء على السواء وأطلعهم على أخبار بعضهم البعض لدرجة أنهم أصبحوا مدمني النظر إليه فلا يكادون يغادرونه ساعات الليل والنهار، لقد أصبحت هذه الوسائل ملجأ من لا ملجأ له ومكانًا وحيدًا وفريدًا لممارسة الحرية الفردية المطلقة التى ربما غلب عليها غياب المسئولية وتهاوت أمامها معظم القيم والتقاليد الأخلاقية والاجتماعية التى درجنا على احترامها فيما مضى وربما يكون هذا هو عتابى الوحيد عليه؛ فلقد ضرب من خلال وسائل التواصل الاجتماعى هذه النظم الأسرية والاجتماعية فى مقتل وأصبح منبرًا من منابر إشاعة الفوضى والأخبار الكاذبة والاشاعات المغرضة! فيا صديقى «جوجل» هل من حل لما تفعله هذه الوسائل بنا من أفاعيل تنشر الفتن والنزاعات بين الأفراد والشعوب وتسهم فى إسقاط الدول وتفتيت الأوطان وتشريد البشر؟!

[email protected]